الأحد، 15 مارس 2009

رؤيـا الفيــل

رؤيا الفيل*

روى أن جماعة من جزيرة صقلية قيل إن ملكهم عزم على قتال المسلمين وكان قد جهز جيشاً عظيماً في البحر ، فرأى في منامه أنه راكب فيلاً ، وطبول ونقارات تضرب بين يديه ، فلما أنتبه أحضر بعض أساقفه وقص عليهم الرؤيا ، فبشروه بالنصر والظفر فيما عزم عليه . فطلب منهم دليل ذلك التأويل، فذكروا له أن الفيل أعظم حيوان البر وأشدها قوة وقهراً ، والراكب له يتمكن من القهر والغلبة ، وأما الطبول والنقارات هي روح وسرور وبشارة وصيت واشتهار المملكة ، إذ لا تُضرب إلا بين يدي الملوك في أوقات السرور.
فلما سمع ذلك منهم أعجبه قولهم ثم صرفهم ، وأمر بإحضار أحبار اليهود فبشروه بالنصر والغلبة أيضاً ، صرفهم ، واستدعى طائفة من علماء المسلمين فقص عليهم الرؤيا ، فأشار إلى شيخ منهم عالم فقال الشيخ : إن أعطيتني الأمان أخبرتك بتأويل رؤياك.
فأعطاه الأمان وحلف له ، فقال له الشيخ عند ذلك :
أيها الملك ، ما أرى عزيمتك هذه وخروجك هذا تنال به خيراً ، فلا تبعث هذا الجيش ، فإنه لن يرجع وتكون مقهوراً مغلوباً.
فقال الملك : أيها الشيخ ، فما دليلك في هذا ؟.
قال : دليلي فيه أخذته من كتاب الله تعالى.
قال : وما هو ؟.
قال له : قال الله تعالى : } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ{(
[1]) وتلا السورة إلى آخرها .
ثم قال الملك : هذا دليلك في الفيل ، فما دليلك في النقارات ؟.
قال : قوله تعالى }فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ {(
[2]).
فلما سمع الملك كلام الشيخ فزع منه وخاف ، ولم يسره ذلك ، وقال له : أيها الشيخ ، لولا أنك من المسلمين لكنت صدقت قولك ، ولكن أنت تكره أن نقاتل المسلمين ، فقال له الشيخ : سوف ترى ذلك أيها الملك ..
ثم أنصرف هو وجماعته ، ثم إن الملك صار يتفكر في قول الشيخ ، وضعفت نيَّته عن إرسال العسكر إلى قتال المسلمين .. فلما بلغ ذلك القسيسين والبطارقة وولاة الأمور حضروا بين يديه وقالوا له : أيها الملك، دام عزك وتم نصرك ، أنت تصدق رجلاً مسلماً يكرهنا ويكره أن نقاتل المسلمين ، فإن أذنت لنا قطعناه بأسنان الرماح ، فمنعهم عن ذلك ولم يأذن لهم ، ثم إنهم قاموا عن يمينه وشدوا همته فرجع إلى قولهم وأمّر ولده مقدماً على الجيش ، ثم إنهم ساروا وأقلعت بهم المراكب المذهبة ، وغيرها في البحر ، فلاقاهم عساكر القيروان واقتتلوا وإياهم ، وبعد ثلاثة أيام أفنوهم عن آخرهم ، وأخذوا جميع مراكبهم ، ولم يرجع منهم أحد.
فلما بلغ الملك ذلك أرسـل إلى الشيخ المعبِّر واعتذر له ، وقــال له : لا تؤاخذني. وأسلم على يديه سراً وأحسن إليه إحساناً عظيماً ، وأمر بملازمته ليلاً ونهاراً ، وأقرأه القرآن ، وشاع خبره في أهل صقلية .
***
----------------------------------------------------------------------
*) تفسير الأحلام لأبن سيرين ، دراسة وتحقيق محمد الهلاوي ، دار الطلائع ، ص 128
1) سورة الفيل : الآية [1] .
2) سورة المدثر : الآية [8-10] .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق