السبت، 28 مارس 2009

الصبر على المصيبة

الصبر على المصيبة

لـمّا كان الصبر مأموراً به جعل الله سبحانه له أسباباً تعين عليه وتوصل إليه ، وكذلك ما أمر الله سبحانه بالأمر إلا أعان عليه ونصب له أسباباً تمدّه وتعين عليه ، كما أنه ما قدّر داءاً إلا وقدر له دواءً وضمن الشفاء باستعماله ، فالصبر وإن كان شاقاً كريهاً على النفوس فتحصيله ممكن ، وهو يتركب من مفردين : العلم والعمل ، فمنهما تركّب جميع الأدوية التي تداوى بها القلوب والأبدان ، فلابد من جزء علمي وجزء عملي فمنهما يركب الدواء الذي هو أنفع الأدوية. ([1])
قال الله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة : 155ــ157] ،وقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر : 10] .
فاحمد الله أخي دائماً وابداً لأن البلاء وكل مصيبة تهون إن لم تكن في الدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ولا تجعل مصيبتنا في ديننا).
في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها ، فقال لها : ((اتقي الله واصبري)) ، فقالت : وما تبالي بمصيبتي ، فلما ذهب قيل لها : إنه رسول الله r . فأخذها مثل الموت ، فأتت بابه فلم تجد على بابه بوّابين ، فقالت يا رسول الله لم أعرفك . فقال : ((إنما الصبر عند أول صدمة)) . وفي لفظ ((عند الصدمة الأولى)) . وقوله الصبر عند الصدمة الأولى مثل قوله ((ليس الشديد بالصرعة (
[2]) إنما الشديد من يملك نفسه وقت الغضب([3]) ، فإن مفاجآت المصيبة بغتة ، لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها . فإن صبر للصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليها استدامة الصبر ، وأيضاً فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه ، وهي الصدمة الأولى . وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم أنه لا بد له منها فيصبح صبره شبيه الاضطرار . وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدي عليها شيئاً جاءت تعتذر إلى النبي r كأنها تقول له : قد صبرت ، فأخبرها أن الصبر إنما هو عند الصدمة الأولى([4]) .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال : ماتت رقية ابنة رسول الله r فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((دعهن يا عمر يبكين وإياكن ونعيق الشيطان)) ، ثم قال: ((إنه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله ومن الرحمة ، وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان)) (
[5]).
وفي جامع الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك واسترجعك ، فيقول ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد (
[6]).
وفي صحيح البخاري من حديث أنس أن رسول الله r قال : ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر ، عوضته عنهما الجنة )) (
[7]) . يريد عينيه.
وفي صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا جمع الله الخلائق نادى مناد أين أهل الصبر؟ فيقوم ناس وهم قليلون فينطلقون سراعاً إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون : إنا نراكم سراعاً إلى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون : نحن أهل الفضل . فيقولون : ما كان فضلكم؟ فيقولون : كنا إذا ظُلمنا صبرنا ، وإذا أسيء إلينا غفرنا ، وإذا جُهل علينا حلمنا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين(
[8]).
وفي بعض المسانيد عنه r أنه قال : (( قال الله عز وجل : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً)) (
[9]).

***
قال الشاعر أبو صخر الهذلي :

ولـمَّا دعـوتُ الصَّـبْـر بَعْدَكِ والبُكا
أجاب البُكا طَوْعاً ولَمْ يُجِبِ الصَّبْـرُ

-----------------------------
1) الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية ، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ، ص 64، المكتبة العصرية ، بيروت.
1) الصرعة : الذي يصرع الناس كثيراً ويغلبهم.
2) البخاري (6114) ، مسلم (2609)
3) البخاري (1283) ، مسلم (926) ، أحمد ( 3/143.
4) أحمد1/335 ، كنز العمال (42476).
5) الترمذي(1021) ، الترغيب والترهيب 6/337.
6) البخاري (5653).
7) إحياء علوم الدين 3/262
8) إتحاف الأشراف 9/27 / كنز العمال (6561).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق