الاثنين، 2 مارس 2009


اللعبة الخطرة (*)
The Most Dangerous Game
تأليف الكاتب : ريتشارد كونيل
ترجمة الأستاذة / سندس محمد أحمد بشير

مقدمة
كتبت مؤلف القصية الكاتب ريتشارد كونيل (1893- 1949) هذه القصة منذ عام 1924م ، وقد حازت على كثير من الجوائز العالمية. وأنتجت كعمل سينمائي ، وتلفزيوني وقد نالت شهرة كبيرة ، ولازالت تحظى بالتشويق والإثارة وتعتبر هذه القصة من أفضل وأرقى القصص القصيرة في القرن العشرين من ناحية الموضوع والخيل الخصب والأسلوب السهل وسلاسة السرد والتشويق ..

هناك في مكان ما (جزيرة كبيرة لها سر خفي) قال ويتني. ما هذه الجزيرة ؟ سأل رينفورد ، رد ويتني : (البحارة القدماء يدعونها (جزيرة صائدة السفن) أسم غامض أليس كذلك؟ هؤلاء البحارة لديهم فضول غريب ومفزع للمكان . لا أعرف لماذا ؟ أنه شيء خرافي "لا تستطيع أن تراه" . ويحاول رينفورد أن يحدق عبر هذا الظلام في هذه الليلة الاستوائية ذات الرطوبة المزعجة التي تحس كأنها ضاغطة برطوبتها الكثيفة على اليخت ، قال ويتني ضاحكاً: (لديك نظر حاد، لقد رأيتك من قبل وأنت تلتقط "الموظ" (حيوان ضخم كالآلة) وهو متحرك على الشجيرات البنية اليابسة على بعد أربع مائة ياردة ، لكن هنا فانك لم تستطع أن ترى حتى على بعد أربعة أميال أو ما يقاربها في ليلة كاريبية غير قمراء).
قال رينفورد مدعماً كلام ويتني :(ولا حتى أربعة ياردات.. آه .. أنها مثل مخمل أسود رطب.
وعاد ويتني قائلاً : سوف تنقشع في (ريو) آمل أن تكون بنادق صيد "الجغور" (حيوان مثل القط الكبير) آتية من مصانع بيردي المشهورة في بريطانيا ، سيكون لدينا صيد جميل على الأمازون . رياضة صيد عظيمة.
رد رينفورد موافقاً : أحسن رياضة للصيد في العالم.
رد ويتني مصححاً العبارة: للصياد ليس للجغر. قال رينفورد : لا تتكلم هراءاً ويتني ، أنت صائد لعبة كبيرة ، ليس فيلسوفاً ، من يهتم بما يحس به حيوان الجغر.
رد ويتني ملاحظاً : ربما الجغر يفعل.
آه .. ويتني ، إنهم لا يفهمون ، ولو فهموا فإنني أعتقد أن يكون شيئاً واحداً .. الخوف، الخوف من الألم ، الخوف من الموت.
ثم أردف رينفورد صائحاً : غير معقول ويتني ، الجو الساخن جعلك ناعماً ليناً – كن واقعـياً – خلق العالم من طبقتين صائد وصيده ، نكون من المحظوظين لو أنا وأنت صائدين وليس صيدة. ويتني – الا تعتقد بأننا تعدينا منطقة الجزيرة .
رد ويتني : لا استطع الاخبار عن ذلك في الظلام ، لكن آمل ذلك.
سأل رينفورد (لماذا؟).
رد ويتني : المكان له سمعة سيئة .
سأل رينفورد : آكلوا لحوم البشر؟.
"صعب التخمين ، حتى آكلي لحوم البشر لا يستطيعون أن يعيشوا في ذلك المكان المجهول ، لكن هكذا جاءت في عُرف البحارة . ألم تلاحظ أن طاقم السفينة يبدون عصبيين قليلاً اليوم؟.
شيءٌ غريب الذي ذكرته حتى أن كابتن نيلسون .. نعم حتى ذلك الرجل السويدي ذا العقل السطحي الذي ذهب إلى الشيطان بنفسه وطلب منه ضوءاً . تلك العينان الزرقاوان السميكتان التي لهما نظرة غريبة لم أر مثلها من قبل أبداً. كل الذي استخلصته منه عندما قال لي:"إن هذا المكان له أسم شيطاني متداول بين الناس الذين يعملون في البحر. سيدي". ثم قال بكل جدية:" ألم تحس بشيء؟ ، كأن الهواء من حولنا مسموم، لا تضحك الآن إذا أخبرتك بأني أحس بقشعريرة." فعلاً لم يكن هناك أي نسمة هواء ، كان البحر مسطحاً كأنه كأسٌ زجاجي مستوي . نحن إذن كنا فعلاَ نجدِف بالقرب من المكان ، لأني أنا أيضاً أحسست بقشعريرة وهذا نوع من الخوف المفاجئ . قال رينفورد :" خيال صافي ، بحار واحد مؤمن بالأوهام والخرافات يقدر أن يُعدي كل أعضاء السفينة بخوفه."
رد ويتني : "ربما لكن لا زلت أعتقد أن البحارة لهم إحساس إضافي ينبههم عندما يكونون في خطر ، وفي بعض الأحيان أنا اعتقد أن الشيطان شيء محسوس وله موجات طويلة مثلما للصوت والضوء ، والشيطان من مكانه هذا يستطيع أن يبث اهتزازات ويتكلم مع شيطان آخر . على كل حال أنا مسرور لأننا تعدينا هذه المنطقة الآن ، سأذهب إلى الداخل." رد رينفورد : " أراك غداً عند الفطور .. تصبح على خير, . أنا لم أشعر بالنعاس بعد سوف أصعد على سطح اليخت وأدخن غليوني."
في تلك الليلة لم يكن هناك أي صوت ماعدا صوت ضربات الماكينات المنتظم المكتوم التي تقود اليخت بسرعة عبر الظلمة وصوت حفيف وخرير المياه المنبعث من اندفاع الموج من مراوح اليخت .
كان رينفورد مسترخياً على كرسي الباخرة ينفخ غليونه المفضل مخيماً عليه النعاس والكسل . وراح يحدث نفسه : (إنها ليلة مظلمة جداً لدرجة أني استطيع النوم وأنا مفتح العينين جاعلاً ظلمة الليل جفوني).
وفجأة هزَّه صوت سمعه من جهة اليمين . أذناه خبيرة لمثل هذه الحالات ، لا يمكن أبداً أن تكون قد أخطأت . مرة أخرى ، سمع الصوت ثم تلاه آخر . في مكان ما في الظلام كان هناك شخص ما أطلق ثلاثة أعيرة نارية . قفز رينفورد مبهوتاً وجرى بسرعة نحو سور اليخت شدَّ نظره في اتجاه الصوت ، لكنه لم ير شيئاً ، ولكي يحصل على ارتفاع أكثر قفز رينفورد على السور ووازن نفسه جيداً ، لكن غليونه ضرب حبل السور وسقط من فمه , أندفع اليه بقوة ، وفقد توازنه , وأدرك نفسه أنه قد أصبح داخل مياه البحر التي غطت رأسه تماماَ ، فصدرت منه صرخة مكتومة وجاهد بشدة للوصول الى سطح الماء.حاول ان يصرخ لكن إندفاع الموج الصادر من سرعة حركة اليخت صفعته على وجهه والماء المالح دخل فمه المفتوح مما جعله يتقيأ ويختنق.كانت صدمة قوية له عندما أحس بيأس بأنه ربما يودع العالم ، ذلك بعدما رأى أضواء اليخت تتخافت وتتراجع أمام عينيه. توقف قليلاً قبل أن يستأنف العوم مرة أخرى لمسافة خمسين قدماً تقريباً . بدأ رأسه ينتعش مرة أخرى وبدأ يحدث نفسه ، ليست المرة الأولى التي يجد نفسه في موقف حرج ، بل هناك مازالت فرصة أخرى في صرخاته التي يمكن أن تسمع أي واحد يكون على سطح اليخت ، ولكن هذه الفرصة أيضاً تضاءلت عندما أسرع اليخت ضارباً عباب الماء.
خلع رينفورد ملابسه بجهد شديد وصرخ بكل ما أوتي من قوةٍ ، ولكن أضواء اليخت كانت تتخافت وتتقهقر كاختفاء فراشات النار ثم غابت كلياً في ظلام تلك الليلة .
تذكر رينفورد الطلقات النارية كانت آتية من جهة اليمين وبعناد وإصرار عام في ذلك الاتجاه ، كان يعوم ببطء وبضربات متمهلة محتفظاً بقوته . كان يجاهد البحر لمدة من الزمن تبدو له أن لا نهاية لها فبدأ يقطع الملل بعد ضرباته للماء ويكلم نفسه :( بأنه بإمكانه أن يفعل أكثر من مائة ضربه ثم .....) . فجاة أنقطع حبل أفكاره بطلقات نارية كانت آتية من الظلمة وصرير صوت عال صادر من حيوان عندما يكون تحت تعذيب شديد مرعب . لم يحاول أن يعرف نوعية ذلك الحيوان الذي كان يصدر الصوت ، وبحيوية ونشاط اتجه رينفورد إلى ذلك الصوت . سمعه مرة أخرى ثم إنقطع الصوت مدة قصيرة ثم صدرت ضوضاء مرةً أخرى ولكنها ضعيفة ومتقطعة . تمتم رينفورد (طلقات نارية ..!) جعل يستجمع قواه ونفسه لمدة عشر دقائق تقريباً ، لكن مرة أخرى سمعها بصوت واضح آتية إلى أذنيه . كان هدير أمواج البحر المرتدة عن الأمواج المتكسرة على صخور الشاطئ عرّفته بأنه غالباً ما يكون عائماَ فوق الصخور التي لم يراها بعد بسبب تلك الليلة المظلمة التي لا تخلو من الهدوء . فبقوته المتبقية سحب رينفورد نفسه من دوامة المياه وعلى جرفٍ شديد ومحزز ناتئ داخل عتمة شديدة الظلمة حشر نفسه صاعداً إلى تلك العتمة واضعاً إحدى يديه فوق الأخرى . لاهثاً ، يديه تجدف إلى أعلى العتمة حتى وصل إلى مكان مسطح في أعلى العتمة وجد أدغال كثيفة مندفعة في اتجاه الحافة الحادة جداً لمنحدرات ساحلية وعرة ، في تلك اللحظة لم يكن رينفورد يأبه بالمخاطر التي يمكن أن تواجهه من تلك الأشجار الكبيرة المتشابكة والشجيرات النامية تحتها .. كل ما يعرفه تلك اللحظة هو أنه أمن نفسه من أعدائه وهما البحر وما عليه من إرهاق تام. فرمى بنفسه على حافة الغابة حيث يوجد منحدر شديد متداعٍ للسقوط ودخل رينفورد في أعمق نومه في حياته . عندما فتح عينيه عرف من موقع الشمس أن والوقت متأخراً بعد الظهر . النوم أعطاه حماسة ونشاط جديدين وشعور بالجوع الشديد . نظر حوله كل شيء يبعث البهجة في النفس . فبدأ رينفورد يحدث نفسه (أينما توجد طلقات نارية يوجد أناس ، وأينما يوجد أناس يوجد طعام، ولكن ما نوعية هؤلاء الناس الذين يقطنون في هذا المكان الوعر؟ كانت الأشجار متشابكة غير مكسرة ومهملة كاسية الشاطئ ولم يرى أي أثر لإنسان عبر شبكة الأعشاب المترابطة والأشجار المتقاربة . كان من السهل جداً أن تمشي على الشاطئ ، كان رينفورد يمشى على طول الشاطئ وليس بعيداً من هبوطه ، توقف .. شيء مجروح ! حيوان كبير قد جُلد تحت تلك الشجيرات ، كانت الأعشاب مُهشمة والطحالب لونها أحمر غامق ، وبقعة من الأعشاب ملطخة باللون القرمزي أيضاً . شيء يلمع على مسافة غير بعيدة منه جذبت أنظاره فالتقطها .. إنها علبة رصاصة غالية .
قال رينفورد ملاحظاً : أثنين وعشرين .. هذا شيء مبهم ..! لا بد أنه حيوان كبير أيضا والصائد ذو أعصاب قوية أستطاع الإمساك به ببندقية مضيئة . ومن الواضح أن البهيمة هي التي أوقفت الحرب . رينفورد يحدث نفسه (أنا اعتقد أن الثلاثة طلقات التي سمعتها من قبل كانت عندما كان الصائد يُخلص على صيده ويجرحه .وآخر طلقة كانت عندما تبعه هنا وخلص عليه.) .
تفحص الأرض جيداً وأخيراً وجد ما كان يأمل أن يجده . وهي آثار طبع لحذاء الصائد على الأرض . كانت تسير نحو المنحدر في نفس الاتجاه الذي يمشي عليه . أسرع على طول الاتجاه إلى الأمام ثم تزحلق على جزع رديء أو ربما حجرٌ غير ثابت لكنه أستمر في نفس الاتجاه جاعلاً حركته إلى الأمام بدأ الليل يسدل أستاره على الجزيرة .
السمك الأبيض (مضي الظلمة) كان يضيء البحر والغابة فجعل رينفورد ينظر إلى الأضواء ثم انجرف عن طريقه الملتوي على خط الساحل فرأى كثيراَ من الأضواء القوية المنبعثة فعرف أنه لابد آتياً أهل قريةٍ . وهو مستغرقاً في تفكيره رأى فجأة ولدهشته العظيمة أن كل تلك الأضواء الكثيرة منبعثة من مبنى واحد فقط مبنى كبير وشامخ بأبراجه المتوجهة إلى أعلى في الظلمة أبصرت عينيه خطوط عريضة لظلال مبنى قلعة مبهمة كانت على جرفٍ عالٍ وثلاثة جوانب منها عبارة عن منحدرات غائصة في اتجاه البحر الذي كان يطبق عليها بشفائفه الجشعة في ذلك الظلام . تكلم رينفورد مع نفسه (سراب) لكن وجده ليس سراباً عندما وجد أمامه البوابة الحديدية الطويلة الشائكة على درج من حجر . كانت البوابة الضخمة لها مزراب ذات مطرقة لها صريراً عاتياً (أنها حقيقة كافية ، لكن رغم ذلك ما زال الجو الخانق عن عدم حقيقتها مازال موجوداً) .
رفع رينفورد المطرقة فأصدرت صريراً عالياً كأنها لم تستعمل من قبل تركها تسقط فروعته بدوي صوتاً عالياً . أعتقد انه سمع خطوات بالداخل ، ولكن الباب مازال مغلقاً .
حمل رينفورد المطرقة مرة أخرى وتركها تسقط . فانفتح الباب فجأة كان يبدوكأنه على ينبوع ماء . وقف رينفورد محملقاً في النهر الذي كان يلمع كالذهب من جراء الأضواء المندفعة إلى الخارج . أول ما لاحظه رينفورد كان رجلاً ضخماً لم يرى رينفورد مثله من قبل مخلوق عملاق ، صارم ، ذو لحية سواء طويلة ممتدة إلى وسطه كا يحمل بندقية ذات شكل أسطواني مشيراً بها مباشرة على قلب رينفورد لاحظ رينفورد عينان صغيرتان خارجتان من بين خيوط اللحية المتشابكة . (لا تكون مؤذياً) قال رينفورد بابتسامة آملاً أن تدل الرجل على أنه غير مسلح (أنا لست لصاً . أن سقطت من يخت أسمى سنقر رينفورد من مدينة نيويورك) . النظرات الخطرة على عينيه لم تتغير البندقية ما زالت متوجهة نحو صدره بصراحة كان العملاق تمثال صلب حجري صلب. لم يعطى أي إشارة تدل على أنه فهم كلماته أو حتى سمعه . كان لابساً روباً أسوداً مُقلم بجلد رمادي . (أنا سنقر رينفورد من نيويورك) بدأ رينفورد يعيد كلامه .." سقطت من يختٍ . أنا جوعان).
الرد الوحيد للرجل كان أن رفع بسبابته زناد بندقيته ثم رأى رينفورد الرجل فجأة غير مسلح وتقدم إلى الأمام في اتجاهه وبتحية عسكرية رآه ضاماً كعبيه مع بعض وواقفاً منتبهاً فرأى رينفورد رجلاً آخراً نازلاً من على سطح الدرج الرخامي ، رجلاً منتصباً نحيفاً في ملابس مسائية. تقدم الرجل إلى رينفورد وأمسك يديه مرحباً وفي صوت مؤدب .تشوبه لهجة إذراء واضحة أضفت إليه دقة في إتقان وإحكام الكلام قال الرجل: " انه لشرف عظيم أن استقبل في بيتي الصياد المجيد السيد "رينفورد."
هز رينفورد يد الرجل بطريقة أوتوماتيكية .
قال الرجل موضحاً "أنا الجنرال زارووف" لقد قرأت كتابك الذي يتكلم عن صيد نمور الجليد في هضبة التبت".
أول انطباع على رينفورد تجاه هذا الرجل أنه وسيماً جداً ، والانطباع الثاني أن كل الصفات الغريبة كانت منصبة على وجهة ، كان الجنرال طويلاً ومن بعض الشيب الذي على شعره عرف رينفورد أن الرجل تعدى أواسط العمر ، حواجبه وشاربه الدقيق شديدي السواد مثل سواد الليل التي أتى منها ، كانت عيناه أيضا سوداوان شديدتي الذكاء عظمتا خديه بارزتان وأنف دقيق مع وجه نحيل قليلاً كالح اللون ، وجه رجل تعود أن يعطى الأوامر ، أنه وجه أرستقراطي .
التفت الجنرال إلى الرجل وبإشارة منه أبعد العملاق بندقيته عن رينفورد وقام بتحية عسكرية . قال الجنرال معلقاً "ايفان رفيق قوي البنية بشكل لا يصدق . لكنه لسوء حظه إنه أصم وأبكم ، إنسان بسيط لديه قليل من الفوضى وربما يعزى ذلك لسلالته".
سأل رينفورد : هل هو روسي؟.
رد الجنرال بابتسامة كشفت عن شفائفه الحمراء وأسنانه المنسقة الجميلة "إنه قوقازي" كذلك أنا ، وأردف الجنرال " تعالى إلى الداخل لا يمكننا التحدث هنا ، كما يمكننا التكلم لاحقاً بل أنت الآن محتاج إلى ملابس نظيفة وطعام وراحة ستكون متوفرة لديك. هذه أمن وأريح بقعة على وجه الأرض " . ظهر ايفان مرة أخرى تكلم معه الجنرال بتحريك شفائفه من غير صوت قال الجنرال مقدماً ايفان إلى السيد رينفورد : " إذا تفضلت هذا الصديق ايفان " وموجهاً كلامه لايفان :" هذا السيد رينفورد ، ثم أردف قائلاً لرينفورد عندما جئت كان وقت عشائي قد شارف سوف انتظرك وأعتقد أنك سوف تجد ملابس مناسبة لك ".
تبع رينفورد ايفان العملاق الصامت إلى غرفة نوم واسعة ذات سقف خشبي وسرير ذات غطاء يشبه الخيمة يمكن أن يسع ستة أشخاص تقريباً.
القى له ايفان ببدلة مسائية وعند لبسه للبدلة لاحظ رينفورد أن البدلة أتت من لندن وفصلت عند مصمم أزياء معروف هنالك بتصميم أزياء الأغنياء في مثل طبقة مرتبة الدوق.
غرفة الطعام التي أرشده إيها ايفان كانت رائعة بكل المعنى وبألواحها السنديانية يمكن أن تكون مثل صالة بارونية من العهود الاقطاعية ، كان لها سقف مرتفع من ألواح السنديان بطاولتها الواسعة حيث يمكن لشخصين أن يتناولا طعامها بارتياح . أما عن الصالة فهناك كمية كبيرة جدا من رؤوس حيوانية محنطة مثل رؤوس لأسود ، نمور ، فيلة ، دببة ، الموظ ، وكثير من الرؤوس الآدمية لم يرى رينفورد مثل ذلك في حياته أبداً . كان الجنرال يجلس وحده على الطاولة الكبيرة . قال الرجل مقترحاً : السيد رينفورد ، يمكنك أن تتناول الكوكتيل . كان الكوكتيل لذيذ فائق الطعم ، كما لاحظ رينفورد أن أثاث الطاولة من أروع وأفخم الأثاث قماشها من الكتان والأواني التي عليها من الكرستال والفضة والأواني الصينية المزركشة .
تناولوا شوربة الخضار الغنية ذات اللون الأحمر وبطعم كريمة حامضة الطعم مفضلة جداً للذوق الروسي . وبلهجة شبه اعتذارية قال الجنرال زاروف : لقد عملنا كل ما في وسعنا لحفظ وجلب كل محاسن الحضارات المتقدمة إلى هذا المكان . ارجوك سامحنا إذا وجدت أي عثرة ، لقد مهدنا الطريق بإتقان كما رأيت. هل تعتقد أن الشامبانزي يمل إذا كان في رحلة طويلة على البحر . وضح رينفورد :" ليس أقل من ذلك ، وجد رينفورد أن الجنرال مضيف دمث الأخلاق ومحترم لرغبات الآخرين ، إنه إنسان عصري حقيقي، ولكن لاحظ أن هناك خصلة صغيرة في هذا الجنرال جعلت رينفورد قلقاً غير مرتاح ، وهي أنه كلما رفع رأسه عن الطبق يجد الجنرال ينظر إليه يدرس فيه ويقيمه عن قرب . قال زارووف : ربما استغربت بأني أعرف أسمك كما ترى. أنا أقرأ كل كتب الصيد التي تفسر بالانجليزي ، والفرنسي ، أو الروسي . مستر رينفورد إن هناك شيئ واحد زرعته في نفسي وهو حب "الصيد" قال رينفورد وهو يتناول سمك فيليه مطبوخ بطريقة خاصة ، لديك هنا رؤوس كثيرة ، ذلك الجاموس لم أرى مثل ضخامته في حياتي !,
رد الجنرال : آه يا صديقي إنه اسطورة.
قال رينفورد مستفسراً : هل أذاك ؟.
قال الجنرال : لقد ضغطني عل شجرة وكسر جمجمتي ولكني تمكنت منه.
قال رينفورد : إنا دائماً أفكر أن الجاموس من أخطر الحيوانات اللعبات الكبيرة .
فكر الجنرال برهة ، ثم قال مبتسماً مظهراً شفائفه الحمراء ثم قال ببطء : لا أنت غلطان سيدي ، إن الجاموس ليس أخطر الألعاب الكبيرة . بعد رشف خمرته قال الجنرال بنفس لهجته البطيئة هنا في محفظتي على هذه الجزيرة أنا أصطاد أكثر الألعاب خطورة . هزّ الجنرال رأسه مؤكداً "الأكبر .. حقيقةً ؟!!
أوه .. طبيعي أنها ليست هنا طبعاً ، لذلك وجب على أن أمون هذه الجزيرة بها.
قال رينفورد : ماذا تستورد جنرال "نمور"؟.
ابتسم الجنرال قائلاً : إن صيد النمور الذي كان محور اهتمامي في السنين الماضية قد توقف لديً . ليس هناك خطر حقيقي من صيد الحيوان ،أنا عائش للخطر سيد رينفورد .
قال رينفورد : بدون شك جنرال زارووف.
أخذ الجنرال سيجارة طويلة من علبة ذهبية طويلة سوداء ذات طرف فضي لها عطر ونفساً مثل البخور ، نحن سيكون بيننا صيد كبير بيني وبينك أنا سوف أكون مسروراً لمرافقتك ، رد رينفورد : لكن ما هي اللعبة ....
قال الجنرال : سوف أخبرك ، ستكون مستمتعاً ، أنا أعرف ذلك ، أعتقد أنني تمكنت بكل تواضع أن أعمل أشياء نادرة ، لقد اخترعت أحساس جديد ، هل أصبّ لك كأساً آخر من الخمر سيدي. رينفورد: "أشكرك أيها الجنرال".
ملأ الجنرال كأسه وقال : إن الله جعل بعض الناس سعداء ، وبعضهم جعلهم ملوكاً ، وبعضهم شحاذين ، أنا جعلني صياداً كما كان يقول أبي أن يديه خلقت خصيصاً للضغط على الزناد . إن أبي كان غنياً جداً له ربع مليون قطعة أرض في ولاية "كديمية" . كما كان رجلاً رياضياً محب جداً للرياضة . أتذكر لم يعاقبني أبداً بل كان يمدحني ويثني علي دائماً على دقتي في إصابة الهدف . قتلت أول دب قوقازي وأنا في العاشرة من العمر . حياتي كلها ممتد بالصيد . دخلت الجيش الذي كان يعد حلم أبناء النبلاء ومع الزمن أصبحت قائد لكتيبة خيالة قوقازية . لكن اهتمامي الرئيسي والحقيقي كان الصيد أنا اصطدت كل أنواع الصيد التي على وجه الأرض لدرجة لا أستطع أن أذكر لكَ عدد الحيوانات التي اصطدتها .
نفخ لجنرال نفخة من سيجارته ، بعد الانقلاب العسكري الذي جصل للحكومة في روسيا تركت البلد ، فمن الحماقة لرجلاً كان أحد المسئولين من القيصر أن يبقي هناك . كثير من الروس النبلاء تركوا روسيا وفقدوا كل ممتلكاتهم ، لكنني أنا كنت محظوظاً كوني وجدت وظيفة في الأمن الأمريكي وإلا كان لابد من أن أفتح بوفية شاي في مونت كارلو أو أكون سائق تاكسي في باريس. طبيعي أن استمر في الصيد ،كنت أصطاد الدب البني الكبير من عندكم في جبال الروكي ، والتماسيح في ولاية "فانجر" ووحيد القرن في شمال شرق أفريقيا . أنه كان من أفريقيا عندما ضربني الجاموس واضطرني للنوم على السرير ستة أشهر ، وعندما شفيت بدأت صيد النمر الأمريكي في منطقة الأمازون . كنت أسمع أنه داهية وماكر لكني وجدته غير ذلك . ثم تنهد الجنرال قائلاً : ليس هناك أي مقارنة بين صيدة بحاستها فقط وبين البندقية القوية . كنت أحس بخيبة فظيعة . فكرة رهيبة أخذت طريقها إلى رأسي عندما كنت في أحد الليالي نائماً في خيمتي مصاباً ببعض الصداع المنقطع بدأت أمل الصيد . والصيد كما تعلم كان هو حياتي . لقد سمعت من عندكم في أمريكا أن رجال الأعمال غالباً ينتهون إلى أشلاء متناثرة مع مرور الزمن من غير أن يحسوا عندما يستسلمون إلى الحياة المادية وتصبح حياتهم. رد رينفورد : نعم أنه كذلك.
ابتسم الجنرال ، لا أنا ليس لدي أي رغبة لأصبح أشياء متناثرة لا قيمة لها . كان يجب على أن أفعل شيئاً ، الآن أصبح لدي عقل تحليلي سيد رينفورد وهذا بدون شك هو الذي جعلني أستمتع بمشاكل الصيد .
قال رينفورد : بدون شك جنرال.
أستمر الجنرال : لذلك سألت نفسي لماذا لم يعد الصيد يستهويني أو يسحر. مستر رينفورد انت أصغر مني كثيراً ولم تصطاد كثيراً، ولكنك يمكنك أن تخمن الإجابة.
قال رينفورد بعد تفكير : ما هي الإجابة؟.
رد الجنرال :" بطريقة بسيطة توقف الصيد لدية ليكون كما يقولون مسألة رياضة فقط ، أصبح بالنسبة لي سهلاً جداً فأنا دائماً كنت أتغلّب على صيدتي. ليس في هذه الحياة شيئاً مملاً أكثر من اكتمال الشيء وبلوغ الهدف . أشعل الجنرال سيجارة أخرى ، ليس أي حيوان أخذ مني كثيراً من الوقت ، هذا الكلام ليس افتخاراً . إنها مسألة رياضة بالتأكيد . فالحيوان ليس لديه شيء غير رجليه وغريزته ، وليست هناك مقارنة بين الغريزة والعقل . عندما أفكر في هذه المقارنة تنتابني لحظة مأساوية ، سوف أخبرك ". توكأ رينفورد على الطاولة مشغولاً بما يقوله مضيفه والجنرال مستمراً في حديثه :مثل الإلهام أتى لي عن ما يجب فعله .
قال رينفورد : وذاك ماذا ؟
ابتسم الجنرال ابتسامة هادئة مثل ابتسامة واحد واجهته صعوبة وتغلّب عليها بنجاح : كان يجب أن أخترع حيوان جديد للصيد.
قال رينفورد : حيوان جديد !! ، أنت أكيد تنكت ؟
قال الجنرال : أبداً أنا لا أنكت في مسألة الصيد . أنا أريد نوع حيوان جديد ، ووجدت واحد ، لذلك اشتريت هذه الجزيرة للصيد عليها وبنيت هذا البيت. الجزيرة مكتملة
لتحقيق أهدافي فهناك الأدغال داخلها متاهات من الطرق الملتوية وهناك تلال ومستنقعات .
قال رينفورد مستغرباً : "لكن الحيوان ... جنرال زارووف" ، قال الجنرال زارووف مقاطعاً : أوه إنها تتوفر بأكثر الطرق اثارة في العالم . ليس هناك أي صيد يمكن أن يقارن بها في الوقت الحاضر فكل يوم أنا أصطاد ولم أمل الصيد أبداً حتى الآن ، لأنني اصطاد مع صيدة تحس مثلي.
بدأ الارتباك واضحاً على وجه مستر رينفورد " حيوان مثلي لأصيده لذلك سألت نفسي ما هي صفات هذه الصيده وكانت الإجابة طبعاً يجب أن تكون لديها شجاعة ، داهية وماكرة وفوق هذا كله تستطيع أن تفكر".
قال رينفورد معترضاً : لكن ليس هناك حيوان يفكر؟ .
رد الجنزال : "عزيزي هنالك واحد يقدر".
قال رينفورد لاهثاً : لكنك لا تعني ....." ولماذا .. قال الجنرال.
أنا لا أصدق أنك جاداً .. أنها نكتة مرعبة ورهيبة .
"ولماذا لا أكون جاداً ؟ أنا أتكلم عن الصيد".
رد رينفورد : "الصيد؟! جنرال زاروف ما تتكلم عنه جريمة" ضحك الجنرال ضحكة طبيعية معتبراً رينفورد إنسان مضحك ، قال : (أنا لا أصدق إن ذلك الرجل المتحضر والعصري كما بدأ لي ما هو وإلا مرفأً لأفكار رومانسية لقيمة الحياة الإنسانية حقيقة خبرتك في الحرب.....) .
قاطعه رينفورد بخشونة ناهية " لا تجعلني مجرماً من ذوي الدم البارد".
اهتز الجنرال من الضحك " يا لك من مهرج فوق العادة. الواحد في هذه الأيام لا يصدق أو حتى يتوقع أن يجد رجلاً شاباً من طبقة متعلمة لاسيما من أمريكا يكون بهذه السذاجة. يمكنني أن أقول تفكيره من تفكير العصور الفكتورية الوسطى) أو كأي علبة سعوط داخل سيارة ليموزين" انك بدون شك من أسلاف (البيوريتان) المتزمتين دينياً. كثير من الأمريكان يبدون انهم يحملون نفس الأفكار. أنا أراهنك أنك عندما تذهب معي للصيد و سوف تنسى كل هذه الحماقات . سيكون في جعبتك مخزون من التشويق و الإثارة ..
رد مستر رينفورد قائلاً : انا صياداً ولستُ مجرماً.
رد الجنرال بلهجة هادئة جداً "عزيزي مرة أخرى تلك الكلمة غير مفضلة لدية ، لكن سوف أوضح لك أن حيرتك وترددك قائم على أساس ضعيف.
رد رينفورد : نعم؟.
الجنرال : "الحياة للقوي ، عيش بالقوة وإذا احتاج الأمر خذها بالقوة . ضعفاء العالم خلقوا لإسعاد الأقوياء ، أنا قوي . فلماذا لا استعمل هديتي؟ إذا أردت الصيد لماذا لا يجب ؟! أنا أصطاد نفايات الأرض : بحارة ، سفن غير نظامية ، ولا متبعة الأنظمة الدولية ، بجارة منهم الأسود ، والصيني ، والبيض mongrels حصاني الأصيل ومجموعتي من كلاب الصيد يستحقون الحياة أكثر منهم ".
قال رينفورد بحرارة: "لكنهم ناس ، بشر".
رد الجنرال : "بمعنى الكلمة الحرفي فقط . هذا هو السبب الذي جعلني استعملهم إنهم يعطوني السعادة . عقلاء يمكنهم التفكير . لذلك فهم خطرين ".
" لكن من أين تأتي بهم ".
رفرف جفن الجنرال الأيسر في لمحة "هذه الجزيرة تسمى صائدة السفن . أحياناً غضب رب البحار الكبيرة العالية يرسلهم لي . وأحياناً عندما تكون العناية الإلهية غير عطوفة . يكون دوري في مساعدة العناية الإلهية قليلاً ". تعالي معي إلى النافذة . رينفورد ذهب إلى النافذة ونظر إلى الخارج في إتجاه البحر . صاح الجنرال مشيراً بيده إلى ظلام الليل . لكن عيون رينفورد لم ترى شيئاً في البداية غير الظلام ومن ثم ضغط الجنرال زراً أعطى أضواء قوية جداً رآها تمتد على مدى بعيد في البحر.
ضحك الجنرال (إنهم يرشدون بواسطة الضوء إلى القنال" حيث لا يوجد شيء سوى صخور ذات حواف حادة مثل الموس منحنية تشبه اسطورة الفك المفترس عندما يفتح فكه (هذه الصخور تضرس السفن بسهولة مثل ما أضرس حبة الجوز هذه) دهس حبة جوز على الأرضية الصلبة وجعلها كالدقيق بكعب حذائه (أوه ، نعم !) قال كلمة نعم عرضاً كأنه يجاوب على سؤال وجُه إليه . لدي كهرباء نحن نحاول أن نكون متحضرين في هذه البقعة .
رد رينفورد : متحضرين ؟!! ، وأنت تصيد الإنسان.
ظهر الغصب على وجه الجنرال الحالك لكن لم يبقى غير ثانية ثم قال بكل سرور (عزيزي يا لك من شاب مستقيم لكن أنا وأنت بالتأكيد سوف لا نفعل ما تقترحه في نفسك والذي تصفه بالبربرية . عزيزي أنا أتعامل مع هؤلاء الزوار بكل احترام . يحصلون على الطعام الكافي الممتاز والتمارين التي تجعلهم يحصلون على نشاط رائع سوف ترى ذلك بنفسك غداً ).
رد رينفورد : ماذا تعني؟.
رد الجنرال : سوف نزور مدرسة التدريب التي في البدروم هناك لدي دستة من الرجال من بلدان مختلفة مثل اسبانيا ، وسان لوكسر ، هؤلاء حظهم السيء أتى بهم إلى هنا عن طريق تلك الصخور الحادة في الخارج . إنهم أناس مساكين جداً مستسلمين لقدرهم . أنا آسف أن أقول ذلك . أشخاص فقراء متعودين العيش على ظهر السفينة أكثر من العيش على الأدغال.
رفع يده لإيفان الذي يعمل كجرسون ليحضر قهوة تركية ثقيلة .
كان رينفورد يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يكبح لسانه عن الكلام.
تابع الجنرال بلطف (أنها لعبة كما ترى ، أقترح على أحدهم بأن نذهب للصيد وأزوده بكمية كافية من الطعام وسكين صيد من النوع الممتاز وأمهله ثلاثة ساعات ليبدأ . أنا أتابع مسلحاً فقط بمسدس ذات عيار صغير وسلسلة حديد . إذا تجنبتني صيدتي لمدة ثلاث أيام يكون هو الفائز باللعبة . وإذا وجدته ، عند ذلك ابتسم الجنرال قائلاً (يخسر).
قال رينفورد : ( نعتبر أنه رفض لعبة الصيد) .
رد الجنرال (أوه سوف يكون له خيار طبعاً . هو لا يريد أن يلعب تلك اللعبة لأنه لا يرغبها ، إذا هو لا يرغب بالصيد ، في هذه الحالة أرسله إلى إيفان) إيفان وحده لديه خبرة لأنه كان المسئول عن السوط الجلدي للقيصر الأبيض العظيم ولديه أفكاره الخاصة عن الرياضة . من ثم بكل ثبوت وإرادة سيختار الصيد).
قال رينفورد : وإذا فاز.
أتسعت الابتسامة على وجه الجنرال (حتى اليوم أنا لم أخسر) ثم أضاف بسرعة (أنا لا أريدك أن تعتبرني إنسان متبجح مستر رينفورد ، كثيراً منهم تصور تصدره نوع من المشاكل الأولية من مرة لأخرى أنا أضرب الشخص المتوحش (سريع الغضب) واحد سيفوز في النهاية ، أنا سأستعمل الكلاب .
رد رينفورد (الكلاب ؟!!).
هذه الطريقة أرجوك أنا سوف أشرح لك سيد رينفورد تعال إلى النافذة (أرسل الجنرال ومض من الأضواء في خطوط مستقيمة على الفناء) وبذلك استطاع رينفورد أن يرى حركة دستة أواكثر من الأشكال السوداء عندما يأتي الضوء اتجاهها رأى عيونهم تلمع بلون أخضر.
قال الجنرال ملاحظاً:( أظن أنها قسمة عادة إني أجعل هذه الكلاب في فناء البيت من السابعة السابعة مساءاً . فإذا أي واحد من البشر حاول أن يحضر إلى البيت أو يخرج منه "شيء مؤسف جداً سيحدث له" قالها الجنرال مدندناً مقتبسها من أغنية معروفة قال الجنرال (والآن) أنا أريدك أن ترى مجموعة الرؤوس الجديدة التي أمتلكها هل بامكانك أن تأتي معي إلى المكتبة ؟. قال رينفورد : آمل ذلك ولكن أعذرني جنرال زارووف أنا فعلاً أحس بوعكة.
(أه ، حقيقةً ؟) رد الجنرال فزعاً : اعتقد أنه أمر طبيعياً بعد سباحتك الطويلة . أنت محتاج لنوم جيد وراحة .
أنا أراهنك غداً سوف تحس بأنك إنسان آخر جديد وسوف تصيد؟ الآن أنا لدي واحد موعود بالخارج).
رينفورد أسرع خارجاً من الغرفة.
صاح الجنرال : أنا آسف لأنك لا تستطيع أن تذهب معي للصيد هذه الليلة. أنا أتوقع رياضة عادلة إنها الصديق القوي.
لاحظ رينفورد أن الجنرال يبدو داهية كبير.
الجنرال : تصبح على خير رينفورد ، آمل أن تأخذ قسط وافر من الراحة.
كان السرير مريح ، والبيجاما من أنعم أنواع الحرير ، كان يحس أن كل نسيج من بدنه متعب ، لكن برغم كل ذلك لم يستطيع رينفورد أن يخلد إلى النوم . عيونه كانت منفتحة مترقبة ، فجأة سمع صوت خطوات مسرعة في الدهليز خارج الغرفة . أعتقد أن بابه سيفتح فجأة لكن لم يحصل شيء . ذهب إلى النافذة ونظر إلى الخارج كانت غرفته عالية على أحد جوانب الأبراج وأضواء القلعة ساطعة في الخارج . وكان هناك الظلام والهدوء التام. ولكن عندما القى القمر بضوئه الشاحب المشتت في داخل القلعة وخارجها رأى أشكال صامته تتحرك . كلاب الصيد سمعته على النافذة فنظرت بعيونها الخضراء إلى أعلى . حاول رينفورد بكل الأساليب أن ينام . أخيراً أخذ غفوة عندما شارف الصبح ، سمع صوت أعيرة نارية صوت بعيد في الأدغال.
الجنزرال زارووف لم يأتي حتى وقت تناول الغداء .أخيراً ظهر لابساً بدلة صوفية ، ولكنه كان مهتماً جداً بصحة رينفورد .
قال الجنرال متنهداً :( بالنسبة لي ، أنا لست طبيعياً اليوم أنا قلق مستر رينفورد الليلة الماضية نكأ من جديد الأثر المدمر القديم الذي كان أن ينتابني) . ملاحظاً التساؤل على وجه رينفورد . قال الجنرال : أنا آسف.
تناول قطعته الثانية من الكعكة المحلاة ثم قال موضحاً :( الصيد لم يكن تماماً الليلة الماضية ، الرفيق فقد راسه . ترك آثار مستقيمة مما أدى إلى ذبحه بكل سهولة هذه مشكلتي مع هؤلاء البحارة لديهم عقول غبية يعملوا بها وأنهم لا يعرفون كيف يتنقلون من مكان لآخر في الغابة أنهم مسرفون في غبائهم . وهذا شيء مثير للسخط ومزعج . هل تتناول كأساً من شانليز مستر رينفورد).
رد رينفورد بصلابة:) (جنرال ، أنا أريد أن أترك هذه الجزيرة فوراً ؟) رفع الجنرال حواجبه الكثيفة في تعجب قائلاً محتجاً : لكن يا صديقي أنت جئت فقط . لم تصيد بعد .....
رد رينفورد : أنا أتمنى أن أذهب اليوم. رأى عيون الجنرال السوداء الميتة تتخلله من الداخل وفجاة أضاء وجه الجنرال وملأ كاساً من السابليز من زجاجة صغيرة ثم قال : اليوم سوف نصيد أنا وأنت .
رينفورد هزَّ رأسه معترضاً : لا .. أيها الجنرال.
أنا لا اصطاد . هزَّ الجنرال كتفيه وهو يأكل العنب المنزلي الدافئ بكل شهية :( حسناً ، كما تحب يا صديقي . مازال الخيار الكلي لك . ولكن لا يمكن أن أخاطر لو اقترحت عليك أنك سوف تجد فكرة الصيد مسلية أكثر من ايفان ؟) . أحنى رأسه في اتجاه الركن حيث يقف إيفان العملاق شابكاً يديه الغليظتين حول قفصه الصدري.
صرخ رينفورد : أنت لا تعني ....رد الجنرال: (لعلك تعني عزيزي ، ألم أخبرك من قبل أني دائماً أعنى ما أقوله عن الصيد خاصة؟ هذا هو الإلهام الحقيقي .. أخيرا أنا أشرب كأساً لعدوي المستحق لعزيمتي القوية).
رفع الجنرال كأسه أمام رينفورد ولكن الأخير جلس مبحلقاً على الجنرال.
قال الجنرال متحمساً : سوف تجد هذه اللعبة فعلا تستحق أن تُلعب عقلك ضد عقلي ، قوتك الجسدية ضد قوتي ، فلعبة الشطرنج هناك في الخارج ، ليس هناك رهان بدون قيمة آهـ ؟.
بدأ رينفورد يتكلم بصوت أجش : وإذا أنا فزت ....
رد الجنرال : سأعترف بكل مرح بأني هزمت ، إذا لم أجدك حتى الليلة الثالثة عند منتصف الليل . زورقي سوف يوصلك لأقرب مدينة. قرأ الجنرال على وجه رينفورد ماذا يفكر ، قال القوقازي : أنا أعطيك كلمتي كرجل شهم ، رجل رياضي ، طبعاً أنت أيضاً ستتفق معي أن لا تذكر أي شيء أبداً عن زيارتك هنا .
رد رينفورد : أنا لا أتفق بأي شكل على شيء.
رد الجنرال : آه ، أجل لماذا نناقش ذلك الآن ؟ أمامنا ثلاثة أيام من الآن يمكننا النقاش بعد معركة (Veue Cliquot) ارتشف الجنرال خمرته ثم انتعش بهواء العمل والجدية قائلاً : ايفان سوف يزودك بملابس صيد ، طعام وسكين ، كما أني أقترح عليك أن تلبس حذاء بدون كعب لأنه لا يترك إلا أثر خفيف ورائك ، كما أني أيضاً أقترح أن تبتعد عن المستنقعات في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة ، هناك توجد رمال متحركة . واحد من الأخوان الأغبياء جرّبه والشيء المؤسف في هذه الواقعة أن لزاروس تبعه ، يمكنك أن تتخيل احساسي يا رينفورد ، أنا أحب لزاروس ، انه كان من أجود كلاب الصيد في قطيعي ، أجل الآن أنا سأستأذنك أن تسمح لي . أنا دائما ًآخذ قيلولة بعد الغذاء ، أن الواحد نادراً ما يجد وقت لغفوة ، أنت طبعاً بدون شك تريد أن تبدأ الآن . أنا لا أبدأ إلا بعد الغروب ، الصيد في الليل أكثر إثارة من النهار ألا تعتقد ذلك ؟ إلى اللقاء رينفورد إلى اللقاء.
انحنى الجنرال بإجلال ثم أدلف خارجاً من الغرفة .
من باب آخر أتى ايفان تحت إحدى يديه حاملاً ملابس كاكية اللون ، جراب مؤن طعام، غمد جلدي يحتوى على نصل سكين صيد طويلة ، ويده اليمنى مستندة على بندقية كانت منغرزة في حزام ذو لون أحمر غامق حول خصره.
بدأت اللعبة.كان رينفورد يتحدى ويبحث عن طريقة عبر الشجيرات لمدة ساعتين ، ومن بين صرير أسنانه كان يقول : يجب أن أُحافظ على أعصابي ، يجب أن أحافظ على أعصابه. فكان حتى ذلك الحين لم يتخلص نهائياً عن فكرة ما سيحدث له في الخارج عندما أغلقت بوابة القلعة.
كانت فكرته الأولى أن يجعل مسافة بينه وبين الجنرال زارووف ولكي يصل لهذه النتيجة أقحم نفسه بين أشواك حادة ، إنه لشيء مرعب. الآن سيطر على نفسه فتوقف جاعلاً بينه وبين الجنرال مسافة قياسية وجد أن لا جدوى من الفرار المباشر على خط مستقيم ، فهو في النهاية وحتمياً سوف يأتي به وجهاً لوجه مع البحر ، فهو الآن على الشريط الساحلي لذلك فعملياته بكل وضوح يجب أن تتم داخل هذا الشريط .
تمتم رينفورد : سوف لا أترك له أثراً .. لذلك قام بمسح كل الآثار التي في الممرات الملتوية الغليظة . كان من المفترض أن يُتبع على أرض موحشة لا آثار فيها . لذلك قام بفك مجموعة من العقد المتشابكة ثم تأكد مراراً وتكراراً أن لا آثار وراءه . مستجمعاً كل معرفته عن صيد الثعالب وكل مراوغات الثعلب . عندما أتى الليل كانت يديه ووجهة مخدشين بالجروح من الشجيرات الغليظة المحززة .
عرف رينفورد أنه من الجنون أن يُخطىء خطئاً فاضحاً في ذلك الظلام. حتى ولو كانت لديه قوة فحاجته إلى للراحة مطلوبة ففكر : (سوف ألعب لعبة الثعلب ، لكن الآن علي أن ألعب لعبة القط) كانت بالقرب منه شجرة كبيرة ذات جذع غليظ وفروع ممتدة كان مهتماً جداً أن لا يترك وراءه أي أثر أو علامة تسلق داخل الغصون المتشابكة للشجرة وتمدد على أحد الحواف اللينة ونام. بعد أخذ قسط من الراحة التي أعطته جددت ثقته بنفسه وإحساس بالأمن .
حدّث رينفورد نفسه : (حتى ولو كان صياداً متحمساً للصيد مثل الجنرال زارووف لا يستطيع تقصي أثره . الشيطان فقط يستطيع أن يتبع هذا الأثر المعقد عبر الأدغال بعد حلول الظلام . ثم أردف رينفورد لكن ربما يكون الجنرال نفسه هو الشيطان).
كانت تلك الليلة المزعجة تزحف ببطء لتسدل أستارها على الأدغال مثل ثعبان مجروح ، النوم لم يزر رينفورد بالرغم من الهدوء الشديد لعالم الأدغال الميت . في الصبح عندما كان اللون الرمادي الداكن بدأ يختفي من السماء شدت انتباهه صرخة مذهلة صادرة من بعض الطيور فالتفت في إتجاه ذلك الصوت إذا بشيء آتياً عبر الشجيرات ببطء وحرص ، آتياً إلى نفس إتجاه رينفورد . أنخفض رينفورد وتسطح على ضلع الشجرة ، وعبر الأوراق السميكة بدأ يراقب . فتبين إن هذا الشيء القادم هو لرجل ، إنه الجنرال زارووف الذي كان جاعلاً طريقه على خط مستقيم وعينيه مثبتة على الأرض مركزة بدقة شديدة على الأرض أمامه . توقف تحت الشجرة منحنياً على رُكبتيه ويتفحص الأرض . كانت غريزة رينفورد تدفعه ليلقي بنفسه مثل نمرٍ على رأس الجنرال ، لكنه تردد عندما رأى أن يد الجنرال اليمنى حاملة شيء معدني ، إنه مسدس أتوماتيك صغير الحجم.
هزَّ الجنرال رأسه عدة مرات متحيراً ثم استقام واقفاً وأخذ من كيسه إحدى سجائره السوداء ، رائحة دخانها اللاذع طغت على مناخير رينفورد . انقطع نفس رينفورد عندما رأى الجنرال ترك النظر إلى الأرض وبدأ يتفحص الشجرة بوصة بوصة إلى الأعلى ،تجمّد رينفورد في تلك اللحظة ، كل عضلاته توترت وشُدت للانقضاض على الجنرال . لكن عيون الجنرال توقفت قبل أن تصل إلى الحافة اللبنة حيث يستطح رينفورد ، وفجأة ابتسامة عريضة انتشرت على وجه الجنرال الداكن اللون . وبتأن شديد نفخ حلقة دخانية في الفضاء ثم أدار ظهره عن الشجرة ماشياً بتمهل بعيداً . و رجع وهو متبع الآثار التي أتى بها. حفيف أقدامه على الشجيرات النامية الصغيرة بدأت تتلاش شيئاً فشيئاً . أما عن رينفورد فقد تنفس الصعدا, الهواء الساخن المحبوس أندفع ساخناً من رئتيه.
أول خاطرة خطرت على رينفورد جعلته يحس بوعكة وبرد ، وهي أن الجنرال يستطيع أن يتبع الأثر في الغابة في الليل ، إنه باستطاعته أن يتبع الآثار الصعبة جداً ، لابد أن هذا الجنرال لديه قوة خارقة للطبيعة إنها الصدفة المحضة فقط أن يفشل في رؤية صيده.
أما الخاطرة الثانية أنها أيضاً مزعجة جعلته يرتعد خوفاً وهي لماذا كان الجنرال يبتسم ؟ لماذا غفل راجعاً .
رينفورد لا يريد أن يصدق بما يخبره عقله . ولكن الحقيقة كانت واضحة كالشمس التي كانت في ذلك الحين متدفقة من خلال ضباب الصباح . الجنرال يريد أن يعلب معه لذلك تركه ليوم آخر . كان القوقازي يُمثل القط ، وهو كان يمثل الفار . رينفورد عرف المعنى الحقيقي للرعب . (أنا لن أفقد أعصابي أبداً) . تزحلق هابطاً من الشجرة ودخل الأدغال . كان وجهه متجمداً لكن أجبر عقله على العمل بفعالية ونشاط بعد حوالي ثلاثة مائة ياردة من المكان الذي كان مختبئاً فيه ، توقف حيث توجد شجرة كبيرة ميتة ومنحنية ومائلة بشكل غير ثابت على إحدى الشجيرات الصغيرة الحية ، قذف بجراب طعامه وأخذ سكينه من غمدها وبدأ يعمل بكل قوته وطاقته على الشجيرات الصغيرة ، أخيراً الوظيفة انتهت فرمى بنفسه خلف جذع ساقط على بعد مائة قدم . هو لا يُريد أن يبقى طويلاً القط سيأتي مرة أخرى ليلعب مع الفار . متبعاً الأثر بكلب بوليسي موثوق ، إنه الجنرال زارووف . لا شيء يفلت من تلك العيون السوداء الباحثة ، ولا حتى ورق الأعشاب المحطمة ، ولا الغصون المنحنية ولا أي علامة حتى مسألة التلاشي في المستنقع. فاثنا بحثه في البقعة عن طريدته, كان الجنرال يطوف حوالى شيء فعله رينفورد من قبل أن يرآه . إلا أن قدم الجنرال لامست غصنٍ ناتئ كان بمثابة منبه له فبمجرد لمسه للغصن أحس الجنرال بالخطر فقفز إلى الخلف بحركة ونشاط قرد مُقَلِد.
لكن سرعته لم تكن كافية, الشجرة الميته سقطت بتثاقل على الشجيرة النامية فاصطدمت ضاربةً الجنرال على كتفه أثناء سقوطها مما جعلته يطيش منحرفاً عن الرمية ، كان يفترض أن يتهشم جسده تحتها ولكن وعيه الدائم بما حوله منعه من ذلك. لقد ترنح ولكنه لم يسقط ولا حتى بندقيته لم تسقط منه . وقف الجنرال وأخذ يمسح كتفه المجروح.
قبض رينفورد على قلبه من الخوف عندما سمع ضحكات الجنرال الماكرة ترن عبر الأدغال . نادى الجنرال (رينفورد : إذا كنت في حدود سماع صوتي كما أعتقد أنك تسمعني فأسمح ليّ أن أصافحك وأهنئك ليس هناك كثير من الرجال يعرفون كيف يجعلون رجل من الملايو يلتقط الكرة ، من حسن حظي أنا أيضاً اصطدت في الملايو مستر رينفورد ، أنك فعلاً أثبت اهتمامك بالصيد أما أنا سوف أذهب الآن لأضمد جرحي إنه جرح سطحي ولكن سأعود مرة أخرى.
عندما ذهب الجنرال ليضمد كدماته كانت فرصة لرينفورد للفرار مرة أخرى . إنه فرار بائس من غير أمل أخذ منه ساعات . جاء المغرب ومن بعده الظلام وهو مازال متورطاً ، أحس بالأرض الناعمة من تحت حذائه ، لسعته الحشرات بشراسة فخطى إلى الأمام فغرقت رجله داخل المستنقع حاول أن يخلعها بشدة لكن التربة كانت تجذبه نحوها فتشده كأنها عملاق ، وبجهد وقوى مزق حذائه وخرج من المستنقع ، لقد عرف أين هو الآن أنه مستنقع الموت ، ورماله المتحركة كانت يديه مغمضتان بقوة كأن أعصابه شيء محسوس أو أن هناك شخص يتمزق بين قبضة يديه في تلك الظلمة ورطوبتها . نعومة الأرض أعطته فكرة . تراجع حوالي عشرة أقدام أو ما يقاربها منقذا نفسه و بسرعة رهيبة كقندس أسطوري كبير بدأ يحفر.
عندما كان رينفورد في فرنسا غرس نفسه داخل حفرة في تدريب لخطة تسمى (عندما تكون تأخير ثانية يعنى الموت المحقق) ، أنها كانت مجرد تدريبات لكن الآن تلك التدريبات كأنها لعبة لهو في جو هادئ إذا ما قورنت بالحفرة التي يحفرها الآن. عندما أصبحت الحفرة عميقة أعلى من كتفه قليلاً تسلق خارجاً منها ومن بعض الشجيرات الناتئة القوية قطع بعضها وبدأ يحزز أطرفها ، غرس الشجيرات المدببة الحادة في أسفل الحفرة جاعلاً الأطراف الحادة إلى أعلى مع إبراز بعض ألإشارات وبخفة يد أتى بعشب وأغصان جافة ونسج منها سجاد مهترئة وغطى فوهة الحفرة .عندما إنتهت مهمته كان رينفورد يتصبب عرقاً ويرتجف من التعب ، فربض خلف جزع شجرة مصعوقة بالبرق كان يعلم جيداً أن متتبعيه آتون لا محالة . سمع نباح الكلاب وصوت أقدام على الأرض المبتلة كما أن نسمات الليل حملت إليه رائحة سجائر الجنرال . أحس رينفورد أن الجنرال ليس بعيد بل قادم إليه خطوة خطوة وبخفة غير طبيعية. كان رينفورد رابضاَ هنالك خلف الشجرة لا يرى الجنرال ولا حتى الحفرة . في تلك اللحظة أحس رينفورد بأن الدقيقة تمر كأنها ساعة ، لكن فجأة أحس بفرح شديد وبأن شيء يدفعه للصراخ عالياً . وذلك عندما سمع طقطقة فروع تتكسر فعرف أن غطاء الحفرة يعمل عمله . ومن ثم سمع صوت صرخة مكتومة من ألم وهذا عندما كانت الشجيرات الحادة المدببة تعمل عملها. قفز رينفورد من مخبئة ثم أنكمش بجسده إلى الخلف وعلى بعد أقدام من الحفر رأى رجلاً واقفاً يحمل بطارية كهربائية في يده .
((عملت عمل جميل ، رينفورد ، كان ذلك صوت الجنرال زارووف ، حفرة نمرك البورمي قتلت أحدى أجود كلابي أنت أصبت الهدف مرة أخرى ، لكن سنرى ماذا ستفعل مع مجموعتي كلها ، أنا ذاهب الآن لأرتاح ، شكراً لك على أجمل مساء)).
عندما شقشق الصبح كان رينفورد مستلقياً بالقرب من المستنقع وفجأة استيقظ على صوت جعله يحس أن هناك شيء جديد سيتعلمه عن الخوف ، صوت بعيد يختفي ويظهر ، لكنه عرفه أنه نباح كلاب إنها مجموعة كلاب الصيد . رينفورد فكر أن باستطاعته في هذه الحالة أن يفعل شيئاً واحداً من شيئين فقط . إما أن يجلس وينتظر في م. فجأة فكرة خطيرة قفزت إلى ذهنه, ربط رينفورد حزامه وخرج من منطقة المستنقع . نباح الكلاب أصبح يقترب شيئاً فشيئاً حتى أقترب منه تماماً . تسلق رينفورد شجرة بسرعة فوق تلة فرأى من تحتها مجرى ماء وليس أبعد من ربع ميل تقريباً أستطاع أن يرى الشجيرات تتمايل متحركة. مركزاً نظره على تلك الشجيرات ، رأي رينفورد شكل الجنرال النحيف وعلى رأس الجنرال مباشرة رأى عملاق ذي كتفين عريضين بارزتان من خلال أعشاب الغابة الطويلة . أنه العملاق ايفان ، يبدو أنه يدفع أمامه شيء غير مرئي عرفه رينفورد أخيراً أن أيفان يحمل مجموعة كلاب الصيد على مقود.
الآن سوف ينقضون عليه في أي لحظة . بدأ ذهنه يعمل بحدة ، طرأت إلى ذهنه فكرة وهي" خطة مواطن "التي تعلمها في يوغندا ، فنزل من الشجرة وقبض على شجيرة يانعة ثبت عليها سكينة صيده موجهاً نصلها إلى الأسفل في إتجاه الأثر وبطريقة وحشية ربط هذه الشجيرة اليانعة إلى الخلف على شجرة قوية ،ثم ولى هارباً إنقاذاً لحياته كان صوت كلاب الصيد يرتفع كلما شمت الرائحة المنبعثة من قريب ، هنا عرف رينفورد كيف تحس الحيوانات عند النباح : وقف رينفورد لحظة ليأخذ نفسه ، لكن فجأة نباح الكلاب توقف وقلب رينفورد يتوقف أيضاً ، لابد أنهم وصلوا إلى السكين وبطريقة مذهلة تسلق شجرة ونظر إلى الخلف . مطارديه توقفوا والأمل الذي كان في عقلية رينفورد تضاءل عندما رأى الجنرال زارووف مازال واقفاً ، وتلاش الأمل تماماً عندما لم يجد ايفان وارتداد الشجرة إلى مكانها جعل السكين تدحرج من الشجرة لكن الأثر لم يختفي تماماً كاد أن يسقط أرضاً عندما سمع نباح الكلاب مرة أخرى (اعصاب ، أعصاب ، أعصاب) أخذ رينفورد يردد بنفس مقطوع ,ثم أطلق ساقيه للريح فاراً فوجد أمامه ضوء ضئيل من ثغرة ذات لون أزرق منبعثة بائنة بين الأشجار اليابسة ، وكانت الكلاب المسحوبة قريبة جداً . حشر رينفورد نفسه في اتجاه تلك الثغرة . وعندما وصلها وجدها غار مرفأ بحرياً فعبر ذلك الغار فرأى أمامه مبنى القلعة الرمادي الكئيب على بُعد عشرين قدماً تقريباً دونه زمجرة وهدير البحر . تردد رينفورد كثيراً قبل أن يقفز ، لكن أصوات نباح الكلاب كان عالياً ، أخيراً قفز بنفسه داخل البحر ، وعندما وصل الجنرال ومجموعة كلاب الصيد إلى البحر في نفس المكان توقف القوقازي لعدة دقائق يلاحظ الامتداد اللون الأخضر المائل للزرقة على الماء ، هزَّ الجنرال كتفيه وجلس يحتسى من زجاجة الخمر ويترنم ببعض النغمات من مقطوعة أوبرا "مدام بترفلاي" . في ذلك اليوم خالف الجنرال عادته المعهودة في تناول عشائه في صالته الفاخرة. لقد حمل معه عشاءه و زجاجة خمرة من نوع "بول رفر" ونصف زجاجة شمبانيا . لكن هناك شيئين أزعجا الجنرال جعلت فرحته لا تكتمل ، أولهما استبدال ايفان والآخر صيده الذي ولى هارباً منه .
الأمريكان لا يلعبون هكذا كان الجنرال يفكر اثناء ما كان يحتسى خمرته المسكرة بعد وجبة عشائه . وعمل بما قرأ عن "كيف تسترضي نفسك" من أعمال "ماركس آملير" فعند الساعة العاشرة ذهب إلى فراشه ، كان يحس بتعب لذيذ وعندما أغلق نفسه داخل غرفة نومه رأى القمر نصف مضيء فقبل أن يُدير ضوءه ويظلم ذهب إلى النافذة ونظر إلى أسفل في الفناء ، استطاع أن يرى كلاب الصيد الرهيبة ، فقال لها:" حظاً سعيداً في المرة القادمة" ثم أدار ضوء غرفته لاحظ على الفور أنّ هنا".
رد رينفورد : "عوماً ، وجدته أسرع من المشي عبر الغابة".
أمتص الجنرال شفتيه ممتعضاً ساحباً نفسه ولكن بابتسامته المعهودة قال : "أهنئك .. أنت كسبت اللعبة" .
لم يبتسم رينفورد ورد قائلاً : "لكني ما زلت بهيمة غبية أمام نباح كلاب الصيد" ثم قال بصوت مبحوح " كن مستعداً أيها الجنرال زارووف" .
الجنرال زارووف أعطى أنحناءة عميقة للسيد رينفورد .

-------------------------------------------------------
المرجع الأساس من كتاب(Adventures in Reading)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق