الأحد، 15 مارس 2009

هوس السرقة

هوس السرقة *
وجدتها في إدارة مباحث ولاية الخرطوم حائرة وشاحبة شدني إليها أناقتها وهدوؤها فما كان مني إلا أني دنوت منها لكي أعرف سبب وجودها في هذه الدائرة وبمجرد أن بدأت حديثي معها توسلت إلىّ ألاّ أصورها وأن لا أذكر إسمها لأنها من أسرة متدينة ومحافظة فوالدها ثرى وهي غير محتاجة ولكن؟.
قالت اسمي «أ» أعمل بصيدلية ودرست القانون للمستوى الثالث ولكني بسبب تحضيري لامتحان الماجستير في العلوم توقفت هذا العام عن دراسة القانون . ومنذ أكثر من عامين بدأت أعاني من بعض الأمراض النفسية ، فبدأت علاجي في مستشفى مختص بالأمراض النفسية ، ولكن ذلك دون جدوى ، ثم ذهبت لبعض المشايخ وأيضا لم يحدث لي أي تحسن ، مشكلتي هي أنه تنتابني حالة من الرغبة في السرقة عندما أدخل إلى أي مكان .. والغريب في الأمر ، أن كل الذين قمت بسرقتهم هم أصحابي وأقربائي، وكنت بعد أن أقوم بالسرقة أبيع المسروقات وأتصرف في المبالغ بتوزيعها على الفقراء والمساكين.
حزنت جدا لحالها ووعدتها بأن أساعدها لأنها قالت لي بأنها حلمت بأنها تائبة وجاءت بإرادتها إلى هذه الإدارة كي تسجل اعترافاتها وذلك لتخفف عن نفسها ، وكي تبدأ من جديد حياة خالية من المشاكل مع زوجها وابنها.
ولدى سماع مدير مباحث الخرطوم إلى اعترافاتها قام بتسجيلها في قائمة المعترفين ، ولكن بعد تكرار بلاغات السرقة بمدينة النيل تم رصدها لمدة سبعة أيام ومن ثم القبض عليها لتلبسها بسرقات جديدة ، وتعرف بعض من سرقتهم على مسروقاتهم وبمواجهتها بالحقيقة ، انهارت واعترفت بجميع السرقات التي قامت بها والتي تقدر بمبلغ 28 مليون دينار سوداني ، وذلك ثمن مصوغات ذهبية وتحف ثمينة.
أثناء جلوسي في إدارة المباحث جاءت احدى اللاتي قامت بسرقتهن فتأثرت لحال هذه الفتاة فهي ما كانت تعرف بأنها مريضة نفسياً وأنها تتناول أدوية علاجية ، وبعد أن تعرفت عليها دعتها لزيارتها في منزلها وعاملتها معاملة حسنة ، وقالت السارقة لهذه السيدة ، ما كنت انوي سرقتك ، ولكن بعد حضوري لمنزلك لم أجدك ووجدت غرفة النوم مفتوحة ، ثم جاءني صوت من داخلي يقول لي أدخلي الغرفة لتري ما بداخلها ، وعند دخولي وجدت الذهب ، فما كان مني إلا أن أخذته وهرولت خارج المنزل واختفيت ، فردت صاحبة الذهب المسروق لقد شككت في ابني الذي يدرس بالجامعة ، ولكني نفيت ذلك وقدمت بلاغاً إلى الشرطة وفوضت أمري لله ثم سمعت من جارتي أن المباحث ألقت القبض على إحدى الفتيات تقوم بسرقة الذهب وجئت وكلي أمل أن يكونوا قد عثروا على مسروقاتي .. ولكني صدمت عندما عرفت أن هذه الفتاة هي الصيدلانية .

*** *** *** *** ****

هذه الحالة جعلتني أبحث عن دوافع السلوك المؤدي إلى السرقة إلى درجة الهوس ، ووصلت إلى النتائج التالية :
السلوك المرضى للسرقة ::
هو هوس يدفع الفرد ويحفزه على السرقة التي تتمثل في سرقة أشياء لا يحتاجها السارق ، قيمتها رمزية أكثر من قيمتها العملية .
و هوس السرقة له مظاهر متعددة وما يعنينا في هذا الصدد هو ما يُعرف بالهوس الحاد (والقصد من إيضاحه أن بعض الأفراد في الحياة الاجتماعية مصابون به) :
ويتمثل في هياج حاد ، تسبقه فترة من الأرق وقد يُصاحب ذلك سرعة الغضب ، والمريض (وهو مرض نفسي) يؤكد أنه لم يكن أحسن منه مما هو الآن في حياته ، ويتصرف باستعلاء ، ولا تنتظم مناقشاته ، و أحيانا تبلغ قلة أدبه شكلاً سافراً ، وقد يهجم على من حوله ويكسر الأثاث ويمزق ملاءات السرير ، ثم يعود إلى هدوئه ، ومرحه فجأة ، وقد يعتذر لمن حوله لما بدا منه .
وتُعاقب الشريعة على السرقة بعقوبة القطع .. لقوله تعالي : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة –38].
ويتفق الفقهاء على أن لفظ أيديهما يدخل تحته اليد والرجل ، فإذا سرق السارق أول مرة قطعت يده اليمنى ، فإذا عاد للسرقة ثانية قطعت رجله اليسرى ، وتقطع اليد من مفصل الكف ، وتقطع الرجل من مفصل الكعب ، وكان على رضي الله عنه يقطعها من نصف القدم ، ليدع للسارق مرتكزاً يمشى عليه.
وعلة عقوبة القطع للسرقة أن السارق حينما يفكر في السرقة ، إنما يُفكر في أن يزيد كسبه من كسب غيره ، وهو يفعل ما يكسبه عن طريق الحلال ويريد أن ينميه عن طريق الحرام ، وهو لا يكتفي بثمرة ونتاج عمله ، فيطمع في ثمرة عمل غيره ، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق أو ليرتاح من عناء الكد والعمل أو ليأمن على مستقبله ، وتحارب الشريعة الإسلامية هذا الدافع في سلوك الإنسان ، بتقرير عقوبة القطع ، لأن قطع اليد أو الرجل يؤدى إلى نقص الكسب ، إذ اليد والرجل كلاهما أداة العمل أيا كان ، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء ، وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق ويدعو ويحفز إلى الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد على المستقبل.
----------------------------------
*) بقلم : محمد زكريا ، تحليل نفسي د. عبدالمجيد منصور ، عن جريدة الرأي العام السودانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق