الأحد، 15 مارس 2009

كرتونة الكتب

كرتونة الكتب *
أخذت كتاباً وبدأت أبحر بين سطوره ، وبينما أنا منهمك في قراءته ، سمعت صوتاً لسيارة تقف خارج المنزل ، ثم اذا بالباب يطرق ، فهرع أحد أخواني الصغار وفتح الباب ، وبدأ يصيح مردداً "محمد" وصل من السفر ، تركت الكتاب جانباً وذهبت مسرعاً لاستقبال ابن عمي الذي حضر من مدينة كسلا مسقط رأسه حيث كان يقضى عطلته الدراسية الطويلة مع والديه وإخوانه ، فصافحته بحرارة ثم سلم على والدتي واخواني واخواتي وقلت لاخواني الصغار : أدخلوا هذه الحقائب والكراتين إلى الداخل . كانت الكراتين تحتوى على فاكهة المانجو والجوافة والقريب فروت والتي تشتهر بها مدينة "كسلا" عاصمة المنطقة الشرقية .
كان محمد أكبر منا سناً ، بنحو عشر سنوات تقريباً ، وكان يدرس علم الاجتماع في جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، وكنت أنا في بداية مرحلة الثانوية وكان يمكث ويشاركنا في غرفة أخي الأصغر ، ولدى تفقده لأغراضه التي أحضرها معه .. صاح أين كرتونة الكتب ؟! يا ربي أين هي؟! ، أرجوكم فتشوا عنها في الداخل ، قلت له لم يتم إدخال أي شيء إلى الداخل كل الأغراض موجودة أمامنا هنا ، وأخذنا نبحث خارج وداخل المنزل ولكن لا وجود لتلك الكرتونة. قلت له: تذكّر يا أخي يمكن نسيتها في مكان ما ، أو في محطة القطار .. صمت برهة تاركاً لعنانه التفكير.. ثم قال لي يجب أن نذهب الآن بسرعة للمحطة يمكن أكون نسيتها هنالك.. خرجنا من الدار واستأجرنا سيارة أجرة وذهبنا معاً إلى محطة القطار . وأثناء ذهابنا قلت له مازحاً : انت يا أخي كل مرة تذهب في العطلة الدراسية بهذه الكتب الكثيرة وترجع بها ، أكاد أجزم أنك لم تقرأها ، قال: فعلا لم أقرأ منها شيئاً.. لدى وصولنا لمحطة القطار ، تلك المحطة الأثرية التي شيدها الحكم الإنجليزي حين استعماره لهذه البلاد ، كانت تنطلق منها خطوط السكك الحديدية التي تربط معظم أرجاء ومدن السودان ، وتعتبر من أطول خطوط السكك الحديدية في العالم لكبر مساحة السودان الشاسعة المترامية الأطراف .
توجهنا إلى القطار ، الذي كان راكباً فيه ، فوجدنا عمال النظافة قد بدأوا عملهم في نظافته الروتينية ، وبدأنا رحلة البحث داخل القطار عربة عربة ، ولكننا وبعد هذا البحث لم نعثر على شيء .. فذهبنا بعد ذلك لقسم شرطة المحطة لعلنا نجد ضالتنا هنالك ، ولكننا لم نعثر على أي مفقودات ، وأبدى ذلك الشرطي اهتماماً لأمرنا وقال : سوف اذهب معكم ونبحث عنها سوياً في الباحة التي تقف فيها سيارات الأجرة .
وفي هذه الباحة الرئيسية أخذ الشرطي يسأل ابن عمي : من أين ركبت سيارة الأجرة وأشياء من هذا القبيل .. وكنت أنا اجول ببصري وأنا ألف حول نفسي لعلي أجد شيئاً .. يدل على كتب أفلاطون ابن عمي.. اعتقد أنها تبخرت مع أنفاس هذا الجو الحار والملتهب .. وكانت هذه الباحة التي تعج بالناس والسيارات خالية تماما من أي شيء حتى الناس لجأوا إلى ظلال الأشجار ، وإلى ضفاف النيل الخالد ، حيث كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد الظهر .. وإذا بي أجد فتاة جميلة جداً واقفة قريباً مني .. سبحان الله .. يا أرض إحفظي ما عليك .. كانت تفوح منها رائحة عطور عبقة عطرت المكان .. لم أكن متوقعاً ذلك .. مدت يدها وصافحتني بعد أن سلمت عليّ ثم قالت : هل بالإمكان أن تدخلني المحطة .. قلت لها يسعدني ذلك ولكن اعذريني لعدم تمكني من ذلك ، ويمكنك الدخول بكل سهولة ولن تواجهك أي مشكلة في ذلك! .. قالت: لا الحارس لن يسمح لي بالدخول .. قلت لها : لو رآك الحارس سيسمح لك بالدخول ، ضحكت ، وظهرت أسنانها المرسومة كاللؤلؤ .. وسألتها : أنت مسافرة والا مودعة ؟ .. قالت لي مودعة .. قلت لها: أي قطار؟ قالت : قطار (الأُبيّض))
[1]( .. قلت لها : سوف تدخلين المحطة ، ولو ما سمح لك بالدخول سوف أساعدك .. وبدأت تخطو بتلك الخطوات الرزينـة نحو البوابة .. وكنت أقـول في نفسـي .. يا لتعس حظي .. ليتني ما كنت مشغولاً مع أصدقائي .
التفت إلى أصحابي .. المتجادلين .. وسألني ابن عمي : كنت تتكلم مع من ؟!! أندهشت لعدم إدراكهم ما حصل مع فتاتي الجميلة .. صمت برهة.. وقلت لهم: بعد أن التفت وأنا أشير بيدي إلي الفتاة الجميلة حيث كانت تسير .. ولكننا لم نشاهدها .. هل وصلت إلى البوابة .. البوابة بعيدة ولو هرولت لما وصلت إلي البوابة .. ولم يزل حارسها جالساً على كرسيه.. فارتسمت على وجوههم علامة التعجب وفي مخيلتهم ألف سؤال !! هم مقتنعون بأنني كنت أحادث أحداً ما ، ولكن لا أحد أمام أعينهم .. وتركتهم بدون إجابة ، وأنا تركت الأمر في داخل نفسي طي التعجب .. ودار في رأسي ألف سؤال وسؤال هل هذه فتاة الجميلة «جنية»؟ ، لو أنني ذهبت معها .. ماذا كان سيحدث ؟ وهل سوف تعاود الظهور مرة أخرى؟.
وأثناء رجوعنا من محطة القطار .. قلت لابن عمي سائلاً.. هل كان برفقتك احد في سيارة الأجرة التي ركبتها من المحطة ؟! .. قال نعم كانت معي امرأة كبيرة بالسن أنزلناها في حي "الحلة الجديدة".. قلت له: من المؤكد .. أن تكون الكرتونة موجودة معها.. قال: لا اعتقد ذلك .. قلت يا أخي لا يضيرك شـيء أن نذهب إليها الآن .. هـل تتذكر المكان؟ قـال : نعم .. وحولنا مسار اتجاهنا صوب مكان تلك المرأة .. ولحسن الحظ أننا وجدنا الكرتونة مع أغراض تلك المرأة .. ورجع ابن عمي أفلاطون زمانه بالكرتونة وهو فرح فرحاً لا يوصف .
---------------------------------
*) قصة حقيقية .
1) الأُبيض : مدينة تقع غرب مدينة الخرطوم.

هناك تعليق واحد:

  1. Hard Rock Hotel & Casino - DrmCD
    Visit Hard Rock Hotel & Casino, Las 포천 출장안마 Vegas, 영천 출장샵 NV. 안양 출장안마 casino, hotel, and 1xbet app nightclub experience, plus entertainment, hotel, dining, spa, pool 익산 출장샵 and a pool.

    ردحذف