السبت، 28 مارس 2009

الحسد داء وبيل

الحسد داء وبيل
( أدلة القرآن والسنة لحقيقة الحسد) *

من القرآن الكريم :
قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم [وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم] [109: البقرة].
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [54: النساء].
{ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ { [القلم:51]
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5].
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ } [الحجر:88].
{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا} [الكهف:39].
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} [يوسف:67].
فالحسد ما ذكر في القرآن إلا وله واقع وحقيقة وإن كان باطلاً ولكن ليعلم الناس أنه كائن بين الناس.
من السنة المشرفة :
عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا أستُغسلتم فاغسلوا» [رواه مسلم وأحمد والترمذي].
ومعنى استغسلتم فاغسلوا أي إذا حسد رجل رجلاً فإنه يؤمر بالاغتسال ليأخذ المحسود الماء بعد غسله فيغتسل به هو الآخر وذلك من الأدوية الناجحة النافعة لإزالة الحسد.
قالت عائشة رضي الله عنها : «كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين» [أبو داود].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو العشب» [ أخرجه أبو داود وابن ماجه] .
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليُبرِّك عليه فإن العين حق» [رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة] .
قال صلى الله عليه وآله وسلم «العين حق حتى تدخل الجمل القدر والرجل القبر» [متفق عليه] .
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس» [رواه البزار] .
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء ، والبغضاء هي الحالقة ، حالقة الدين لا حالقة الشعر ، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» [رواه أحمد والترمذي والبيهقي والبغوي] .
وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم من نفسه وماله ما يعجبه فليدع بالبركة» [رواه ابن السني في اليوم والليلة] .
ولذا قال الناس في المثل المشهور ما يحسد المال إلا أصحابه (وغير أصحابه من الحاسدين) فمن أجل ذلك حثنا صلى الله عليه وآله وسلم على الدعاء بالبركة ليبارك الله فيه ويحفظه سبحانه وتعالى .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكيت يا محمد ، قال نعم ، قال «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس وعين حاسد والله يشفيك بسم الله أرقيك» [رواه مسلم وأحمد].
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس : مالى أرى أجسام بنى أخى ضارعة (خفيفة نحيفة) تصيبهم الحاجة . قالت :
لا ولكن العين تسرع إليهم . قال : أرقيهم ، قالت : فعرضت عليه . فقال : «أرقيهم» [رواه مسلم] .
وعن إبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن العين حق. [رواه أحمد وابن ماجه] .
كيف يتم الحسد ؟ :
لكل إنسان شيطان (قرين) يجري في جسده مجرى الدم ، وهو سر انحرافه والدافع للعصيان ، وكلما كان الإنسان قوياً في إيمانه منتصراً بطاعته لله عز وجل كان شيطانه هزيلاً وضعيفاً مخذولاً وكلما كان الإنسان خالياً من نور الله بطيئاً في طاعة الله مستسلماً لطاعة شيطانه كان شيطانه مستحوذاً عليه متمكناً منتصراً ، وهذا غالباً حال أهل الحسد شيطانهم قوي متمكن ، إذا شاهد الحاسد نعمة ولم يبارك برك الشيطان على نفسه وقيده وانطلق هو مخرباً ليؤكد للناس أنه (أي الإنسان) حاسد شرير وبذلك يحقق ما توعد به ولأغوينهم أجمعين}.
قال ابن قيم الجوزية : وعقلاء الأمم (وليس الأمة فقط) على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه ، ووجهة تأثير العين، فقالت طائفة : إن العائن إذ تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين (المحسود) فيتضرر . وقالوا : ولا يُستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك وهذا أمر قد أشتهر عن نوع من الأفاعي إنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فكذلك العائن . وقالت فرقة أخرى : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين (المحسود) وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر (إذا شاء الله).
هذه تصورات لصورة الحسد وكيف يتم ، وهي في الحقيقة كلها حق ولايتعارض بينها لأن المحصلة تقول إن تلك السمية ، وهذا الشر المستطير ينبعث بقوة خفية يهيمن عليها شيطان الإنسان الذي يتحرك بالخراب والإفساد ، والعيون لا تراه وإن كانت عين العائن أو نفس الحاسد هي التي تمنت زوال أو تحول النعم ، فكما أطاع ذلك الحاسد الشيطان (حقداً على الناس) فسرعان ما الشيطان يطيعه للتنفيذ العملي في صورة الحسد ، الذي أجج ناره قرين ذلك الحاسد ، وقد ثبت في الصحيح «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه» قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال: «نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».
وقال صلى الله عليه وسلم : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم».
وهذا الشيطان القرين يتحكم في صاحبه كلما نسى ذكر الله } وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف : 36] .
وهذا القرين يكون بمثابة منفذ الأوامر التي تختلج بأضلع الحاسد ليتم حسده . يروي الأصمعي : رأيت رجلاً عيونا (حاسداً) كان يقول إذا رأيت الشيء وجدت حرارة تخرج من عيني . (وكأنها إنطلاق القرين الذي هو مخلوق من نار وكأنه لا يخرج إلا من عينيه والله أعلم).
وقال ابن القيم : «العين عينان عين إنسية وعين جنية». يعني إن لم يتحقق الحسد عن طريق عيون الإنسان فعين الشيطان ألعن . فقد جاء في عمدة القاري ج17 ص404 قال الخطابي : عيون الجن أنفذ من الأسنة (الرماح) ولما مات سعد سُمع قائل من الجن يقول :

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بســـــهم فلم يخط فــــــؤاده

قال : فتأوله بعضهم أي أصبناه بعين ، فلا غرابة أن يتم أمر الحسد عن طريق الشيطان الذي توعد ابن آدم بالشر والغوايه وكل ذلك كان بدءاً من البداية حسداً من الشيطان للإنسان الذي كرمه الله بطاعته ، ولكن واحسرتاه ما زال القدر الأكبر من البشر يعبدون عدوهم الشيطان الذي كلما عبدوه أذلهم وأهانهم وعذبهم ونشر الشر بينهم .
قال تعالى : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 12ــ17] .
سبحان الله } ولاتجد أكثرهم شاكرين { توعد بأن يجعلهم من الحاسدين}.
قال ابن قيم الجوزية ([1]) : تأثير العين غير موقوف على الاتصالات الجسمية، بل التأثير يكون تارة بالاتصال وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجيه الروح نحو من يؤثر فيه وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات وتارة بالوهم والتخيل ، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره.
ولذا نجد قوله تعالى { حسداً من عند أنفسهم } يؤكد أن الحسد ينطلق من النفس الشريرة التي يجري فيها الشيطان مجرى الدم فينشر الشر والخراب بين الناس بقوة فعله كقوة خفية تريد الفتنة بين الناس بما تزرعه من حسد في أنفسهم.
إلى أن قال ابن قيم الجوزية : وهي سهام تخرج من نفس الحاسد العائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة ، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد ، وإن صادفته حذراً شاكى السلاح ولا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه (بمعنى أنه قوي الإيمان متحصناً بالقرآن والأذكار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فالحسد ينفذ من النفس الخبيثة عبر البصر بقوة الشيطان الخفية التي تؤدي المهمة دون أن يراها تخريباً وتدميراً وهذا هو واقع الحسد العلمي.
ويعرف الحاسد بعلامات :
1- إن رأى نعمة على أحد لم يبارك ولا يحمد الله ولا يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- كثير الشكوى من قدر الله وتراه دائماً ضجراً لا يحمد الله وقلما يحدث بنعم الله التي يتنعم فيها.
3- قليل الذكر كثير التكالب على الدنيا وأكثر ما يتكلم في المال وحطام الدنيا الفاني.
4- ترى على وجهه صفرة واسوداداً وكآبة وهو عبوس دائم الحزن كثير الفضول والتطفل.
وصدق الله {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران:120] .
وصدق الشاعر :
ألا لـمن كـــان لـــــي حاســـــــداً أتدري عـلى مـن أســـأت الأدب
أســـــــأت على الله فــــي فعــــله لأنـك لـم ترض لـي مـا وهــــب
فجـازاك عني بأنه زادنــــــــــي ســـــد عــليك وجــــوه الطـــلب
***
الحسد في حياة الناس :
كثيراً ما نرى حدوة حصان أو سنابل القمح أو أن يوضع حذاء طفل صغير أو ودعة في مداخل المنازل على الأبواب أو في مقدمة السيارات أو في أعناق الخيول والدواب ، وهذا الخوف من الناس ليس من شيء إلا اسمه الحسد ، وهذا أمر إن أعتقد أنه يمنع العين فهو ضرب من البدعة قد تصل إلى الشرك . لقوله صلى الله عليه وسلم «من علق تميمة فقد أشرك» [ أحمد والحاكم ورجاله ثقات] .
وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : إن عبد الله رأى في عنقي خيطاً فقال : ما هذا ؟ قلت : خيط رقي لي فيه . قالت : فأخذه ثم قطعه ثم قال : أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك سمعت رسول الله r يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» [ رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم].
والتولة نوع من السحر (عمل) يجلب المحبة بين الرجل وزوجه (على ما يزعمون) . ولكن إن علق شيئاً مكتوباً عليه ما يذكر بالدعاء بالبركة كقول تبارك الله أحسن الخالقين ، أو ما شاء الله تبارك الله على الجدار كاللوحة فلا حرج . أو شيء جميل أو تحفة (لا تكون صورة ولا تمثال) تصرف نظر الناظر وتشغل نفسه عن ما هو أروع وأجمل وأجمل بحيث لا يركز عينه ويحقد بنفسه فيحدث الحسد دون الاعتقاد بأن تلك الأشياء تجلب السعد أو تمنع الشر فلا حرج والله أعلم ، وذلك لما ذكره البغوي في كتاب شرح السنة : أن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً فقال : دسموا نونته لئلا تصيبه العين . ومعنى دسموا أي سودوا (بالحنا السوداء مثلاً) . ونونته أي النقرة الخفيفة في الذقن محل الحُسن.
فعلى المسلم إذا رأى شيئاً يعجبه أن يحمد الله ويقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، أو يقول : تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه أو اللهم بارك فيه ولا تضره .
وليحذر أن تخدعه نفسه بالأماني والتمنى لكيلا يغزوه الطمع فينتشر الحقد في نفسه وينقلب حاقداً حاسداً أنعُمَ الله على البشر فيتمنى زوالها أو تحولها منهم إليه وهذا يختمر في أعماقه فيطفح بالحسد وما يجني شيئاً مما تمناه بل يجني الهم والغم والإثم.
وصدق الشاعر :

أصــــبر على حســد الحســـــــود فـــإن صـــــــــــبرك قاتلــــــــه
كالنــــــــار تأكـــــل بعضهــــــــا إن لــــــم تجــــــد ما تأكلــــــــه

وإن العاقل التقي النقي هو الذي يعلم بأن النعم من المنعم وحده وأن لكل إنسان في هذه الدنيا الفانية نصيبه ويكفي الإنسان من نعمة الإسلام العظيم ونعمة الصحة وستر الله عليه وإلا فما دون ذلك كله متاع قليل طالت الأيام أو قصرت سينفد أو صاحبه سيودعه ولن يأخذه معه ، ناهيك عن أن صاحب النعمة مهموم بالحرص عليها والخوف من ضياعها، فعلى المسلم أن يرضى بما قسم الله ويتمنى ويبارك بقاء وزيادة تلك النعم ليعيش الناس في محبة وخير ووئام .
قيل لأعرابي عمر مائة وعشرين سنة : ما أطال عمرك ؟ فقال : تركت الحسد فبقيت .
يا طالب العيش في أمـن وفي دعــــة رغـــداً بــــلا قـــــتر صـــفواً بـلا رنـــــــق
خلص فـــؤادك من غـــل ومن حســـــــد فالغل في القلـــــب مثل الغل في العنق
فلذا يدعونا مولانا تبارك وتعالى أن لا نتمنى الأماني ونحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله بل نسأل من أعطاهم فهو صاحب الفضل العظيم وبيده الخير وحده سبحانه وتعالى.
قال تعالى : } وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا { [النساء: 32] .
قال تعالى على ما نصح يعقوب عليه السلام أبناءه درءاً للحسد : {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ { [يوسف: 67] .
ولقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية : «خشي عليهم العين وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء وكان عددهم كثير ، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه».
ولذا جاءت بعدها الآية : }{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:68] .
بمعنى أن يعقوب عليه السلام كان يخشى عليهم عيون الحاسدين ، وإن كان أمر الله نافذاً لا محالة إلا أنه أخذ بالأسباب ولكن أكثر الناس يجهلون هذا الأمر والتحصن منه والله أعلم.
لدحر الحاسد وعافية المحسود :
وللوقاية من العين ورد العائن (الحاسد) نورد هذا الدعاء العظيم الذي ذكره ابن قيم الجوزية في زاد المعاد في هدى خير العباد :
فعن أبي عبد الله اليناحي : أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه فقيل لأبي عبد الله : إحفظ ناقتك من العائن ، فقال : ليس له إلى ناقتي سبيل (بمشيئة الله) ، فأخبر العائن بقوله ، فتحين (العائن الحاسد) غيبة أبي عبد الله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العائن قد عانها (حسدها) وهي كما ترى فقال : دلوني عليه فدٌل .
فوقف عليه وقال :
بسم الله حَبَس حابس وحجر يابس وشهاب قابس (دعاء عليه) رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه } فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسئأً وَهُوَ حَسِيرٌ { [الملك: 3ــ4] . فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا بأس بها .
الحصن الحصين لردع العائن اللعين :
بعد أن تتوضأ للصلاة تصلى ركعتين لله وتدعو بهذا الدعاء : تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء واعتصمت بربي ورب كل شيء. وتوكلت على الحي الذي لا يموت .
واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله . حسبي الله ونعم الوكيل .. حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق . حسبي الرازق من المرزوق. حسبي الذي هو حسبي .. حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه .. حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا .. وليس وراء الله مرمى .
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .

للحفظ من عين الإنس والجان :
عن عمران بن حصين أن النبي r قال : «فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرأها عبد في دار فتصيبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن» [الدليمي] .
كيف نداوي من أصابته العين :
عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي كرم الله وجهه : أن جبريل عليه السلام أتى النبي r فوافقه مغتماً ، فقال يا محمد ما هذا الغم الذي أراه في وجهك ؟
قال : الحسن والحسين أصابتهما عين .
قال : صدق بالعين فإن العين حق أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات.
قال : وما هن يا جبريل ؟
قال : قل «اللهم ذا السلطان العظيم والمن القديم وذا الوجه الكريم وليّ الكلمات التامات والدعوات المستجابات عاف الحسن والحسين من أنفس الجن وأعين الإنس» فقالها النبي r فقاما يلعبان بين يديه .
فقال النبي r «عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله» [تفسير ابن كثير ج4 ص411 ورواه البزار وذكره الحافظ بن عساكر] .
آيـــات الشــــــفاء :
نقل عن الشيخ أبي القاسم القشيري أن ولده مرض مرضاً شديداً ، قال: حتى أيست منه واشتد الأمر عليَّ ، فرأيت في المنام النبي r وشكوت له ما بولدي فقال لي : أين أنت من آيات الشفاء فانتبهت ففكرت فيها فإذا هي في ستة مواضع من كتاب الله تعالى وهي قوله تعالى : } وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ{ [التوبة: 14] ، } وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ { [يونس:57] . }يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ{ [النحل :29] . } وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ { [الإسراء:82] . }وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ { [الشعراء:80]. }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء{ [فصلت:44].
قال : فكتبتها في صحيفة ثم حللتها بالماء وسقيته إياها فكأنما نشط من عقال.
------------------------------------------
* ) أبو الفداء محمد عارف ، كيف نداوي ونتقي السحر ، مكتبة المأمون ، 1990م،ص70
1) زاد المعاد ج3 ص118

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق