الأحد، 15 مارس 2009

الرجل الخفي

الرجل الخفي *

دخل رجل وقور في العقد السادس من العمر ، أحد محلات الصاغة ، وطلب من الصائغ أن يضع له حجرا كريما على خاتمه ، فقدم له الصائغ كأساً من الشاي ، وطفق الزبون يحدثه في شتى المواضيع بأسلوب شيق ، ويعرج على المواعظ والحكم والأمثال . وفي أثناء ذلك دخلت المحل امرأة على عجلة من أمرها تريد من الصائغ إصلاح سلسلة ذهبية مكسورة فقال لها الصائغ : انتظري قليلا حتى ألبّي طلب هذا الرجل الذي أتاني قبلك ، ونظرت المرأة إلى الصائغ في دهشة وقالت أي رجل وأنت تجلس لوحدك؟! ثم خرجت من المحل مندهشة ، واستأنف الصائغ عمله . ثم دخل عليه رجل يطلب منه تقييم حلية ذهبية كان يحملها ، فطلب منه أن ينتظر قليلا إلى أن يفرغ من إعداد الخاتم الذي طلبه الزبون الجالس إلى جواره ، فصاح الرجل : عمّ تتحدث فأنا لا أرى في المحل سواك! فسأله الصائغ : ألا ترى الرجل الجالس أمامي ؟ فقال الزبون الجديد : كلا ثم حوقل وبسمل ، وخرج مستغرباً. هنا أحس الصائغ بالفزع ونظر إلى الرجل الوقور وتساءل: ماذا يعني كل هذا ؟ هل أنت من أولئك الذين يقال عنهم بأن عليهم الغطاء؟ فضحك الرجل الوقور ، وهز برأسه إيجاباً.
بعد قليل دخل المحل رجل وزوجته وقالا إنهما يرغبان في فحص خاتم معروض في واجهة المحل فطلب منهما الصائغ أن يمهلاه بضع دقائق حتى ينتهي من عمل الزبون الجالس أمامه ، فاحتد الرجل وقال : أي رجل ونحن لا نرى غيرك في المحل ، والتفت إلى زوجته وقال لها : يبدو أن هذا الصائغ لا يرغب في بيع الخاتم لنا .. لنذهب إلى محل آخر! هنا انتابت الصائغ حالة من الهلع الشديد ، ونظر في ضراعة إلى الرجل الجالس قبالته، وسأله : قل لي بربك ماذا يحدث؟! هنا اعتدل الزبون في جلسته وحدق ببصره بعيدا وقال في صوت أقرب إلى الهمس : أنا من أولئك الذين قلت عنهم ، لا يراني إلا من حمل صفاتي! هنا حلت النشوة محل الفزع في قلب الصائغ وكاد أن يطير من فرط السعادة عندما أكد له الرجل الوقور بأنه بدعواته سيحقق له أمنياته. وظهر الفرح الشديد على وجه الصائغ وقال : أعطاني الله من الدنيا الكثير ولا أريد سوى الظفر بالجنة ، فابتسم الرجل وقدم للصائغ منديلا أبيض وقال له : ضعه على أنفك واستنشق بقوة ففي المنديل عطر الجنة ، ففعل الصائغ ذلك ، وأحس بالنشوة تسري في أوصاله في نعومة ولطف ثم غفا غفوة لدقائق معدودة ، أفاق بعدها فلم يجد الرجل ولم يجد المجوهرات التي كانت معروضة داخل المحل وأدرك بعد فوات الأوان أن الرجل نصاب كبير وأن عطر الجنة ما هو إلا مخدر ، وأن الزبائن الذين أتوه ثم أنكروا رؤية الزبون الجالس أمامه كانوا شركاء له في الجريمة ، وبالطبع لم تعثر الشرطة على الرجل ولا على شركائه.
-----------
*) قصة حقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق