الأحد، 15 مارس 2009

مشكلة رجل؟

مشكلة رجل *
زارتني صديقتي زيارة طارئة بناءاً على طلبها، ومع احتساء فنجان القهوة عبرت المسكينة عن آلامها قائلة: طويت على هذه الحياة رداء شبابي، وهاأنذا أطوي عليها رداء شيخوختي ... قالت قولها هذا وقد ارتسمت على وجهها علامات من الهم والاكتئاب ، وفي عينيها نظرة الذل والانكسار ... واسترسلت تذرف الدموع على حظها وقلة بختها، وتتحسر على السعادة التي ضلت طريق الوصول إليها، ومن حلاوة الروح أخذت تهذي بكلمات عبرت فيها عن نفسيتها المتأزمة قائلة: أريد الانفراد بذاتي، وأبحث عن الفرار من أبصار الناس وأسماعهم ... أريد أرضا لا يطرقها طارق ولا يمـر بها سـائل ... أريد الفـرار من ضوضــــاء الأهـل وجميع الأصحاب وثرثرتهم ... أنا لا أريد أحداً حولي ... لا أريد أحداَ حولي سواك أنت.
سأروي لك قصتي الفاشلة: مشكلتي وطامتي الكبرى بأنني صدقت من تحدث عن الحب والسعادة، ولو سألتموني عن الحب لأجبت بأنني لا أفهم من الحب سوى أنني بحاجة إلى بقاء رجل أثق به إلى جانبي .... وتوهمت بأنه حالفني الحظ بهذا الرجل ، برجل حياتي، ومن فرط سعادتي به شعرت بأنني نفضت بيدي غبار الظلام عني، ورحت أحلم بالأمل بحياة جديدة نقية معه ، وفي قرار واحد ما لبثنا أن أصبحنا أنا وعادل زوجين ... ولكي تنجح مسيرة زواجنا وتستمر حاولت أن أكون مميزة عن سائر الأخريات ، ولأجل هذا عملت على مخاطبة روحه قبل عقله ، وكنت أمينة على أسراره وعلى ماله وبيته ، وأنت خير من يعلم بأن الإخلاص مبدئي، وأساس بنياني قائم على العطف والاندماج بأحداث حياته ، ووقفت معه ضد عاديات الدهر، وكرست عمري لخدمته وخدمة أولادي ، ومن عشقي له احتفظت بصورته كتذكار دائم عندي ووضعتها في قلادة لا تفارق عنقي، وتوقعت بأننا سنلتقي عند نقطة تذوب فيها فوارق التفكير وتنمحي فيها الاختلافات، واعتقدت بأنه سيقدر أفعالي، وسيتفهم حاجتي إلى قلب رحيم، وبأنه سيقابل معاملتي له بفيضان من المشاعر والأحاسيس.
ومع مرور الأيام وكرّ السنين لاحظت بأنه صاحب غرور هرمي لا يحتمل، وبأن الأمية تلعب دورها على تفكيره بالرغم من شهرته ونجاحه المرموق على الصعيد العملي والاجتماعي، ونمى إلى علمي بأنه على اتصال بالكثير من النساء غيري، وبت مؤمنة بأنه لا يكترث لشخصي، وتملكني شعور بأنني مجرد لوحة معلقة على جدران منزلـه، بالإضافة إلى انه عاد إلى بؤرته القديمة التي كان يعرفها قبل زواجنا ، ورجع إلى حياة السهر يوميا حتى ساعات الفجر ، وغير ذلك من الممارسات التي استحى من ذكرها.
رجوته مراراً وطلبت منه تغيير نمط حياته والالتفات إلينا ... لكن لا فائدة من الكلام مع أمثاله، والنقاش معه سيجرني نحو القول بما لا أريده لنفسي ... وأفعاله أشعلت غضب كبريائي ، وتجمعت في صدري أبخرة الغيظ وخيبة الأمل وأخذت الأيام تتوالى وأحداث الحياة تضعني في حيرة من أمري وبين ما يقوله لي جنون تفكيري، ويبدو أنني بت لا أحب كل الذين كنت أعتقد بأنني كنت أحبهم، وذاكرتي عن البارحة سريعة تمر وسط أشكال محزنة مرسومة برأسي ... لم أتصور يوماً بأنني وقعت تحت رحمة رجل وضع سدوداً على ضميره، ونفسه الدنيئة سمحت له بأن يخونني مع شاكلته من النساء.
أريد الاستقرار مع رجل معقول بلا خداع ... لكن يخيل إلي بأنني سأقضي بقية عمري في ظلام دامس لا ينفذ إليه شعاع من أشعة الرحمة، ولا يلمع فيه بأرق من بوارق الأمل ، والحمد لله لي نصيب موفور من الهموم، وأشعر بأنني أتعس من على سطح الأرض ، وأصبحت كورقة يدفعها الهواء إلى المجهول.
أنا بشر ومن حقي أن أعيش حياة كريمة، وتاقت عيني لرؤية شيء أفضل ، وتلهفت أذني يا أختي لسماع أخبار جميلة ، وأرجوك لا تسخر مني وأخبريني ماذا أفعل.

***** ***** ***** ******
عرضنا مشكلتك يا أخت سناء على الدكتور/ عبد المجيد سيد أحمد منصور ، الخبير في علم النفس ، فأجاب :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله تعالى رحمة للعالمين ، وكان ضياءاً ونوراً فقد أرسله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفي بالله شهيدا . صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد إلى صاحبة الشكوى .. اليائسة من حياتها أقول :
لا تقولي في بداية حديثك أن لك قضية فاشلة فقد يجعل الله بعد كل عسر يسرا .. وكم من ظلمات بدد الله ظلامها وأصبحت كأن لم يغشاها جور وظلام ..
إن قصتك هذه أتناول الحل فيها من ثلاثة جوانب :
1- الجانب الأول : الإيمان الصادق :
فأرجو منك القبول بما قسم الله لك ، وعلينا أن نرضى بما كتب الله علينا من حياة ، حيث لا ندري بما يأتينا به الغد ، فنحن في هذه الدنيا لا خيار لنا فيما يأذن به الله من قدر مكتوب علينا ، والله تعالى يقول:[وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا] [الإنسان –30] .
كما نطلب من الأخت صاحبة الشكوى أن لا تجأر بالشكوى عندما يمسها الضُر . وأن تعرف قدر نعم الله عليها فليست كل حياتها كدر وهم ولتتذكر قول الله تعالى :
[وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ] [النحل :53].
أتذكرين تتذكرين المرأة التي كانت تصرع وتتكشف ، فذهبت إلى الذي وصفه الله تعالى في عليائه }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ِ{ وشكت إليه حالها وأنها تصرع وتتكشف . فقال لها أصبري واحتسبي حالك عند الله حتى تدخلي الجنة .. فقالت سأصبر ، وأرجو أن تدعو لي بالا أتكشف ، فدعا لها صلى الله عليه وسلم ، فلم يحدث أن تكشفت بعد ذلك . وأثابها الله بالجنة .
الأخت الفاضلة : أصبري على ما أنت فيه ، فقد يُصلح الله حال زوجك والله تعالى يقول :
[إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ] [الزمر : 10] .
[وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَِ] [النحل : 12] .
ألم تصبر امرأة فرعون على ما أوذيت فيه ، حيث يقول الحق تبارك وتعالى :
[وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَِ] [التحريم :11] .
أفلا تصبرين وتتعاملين مع زوجك برفق وبهدوء ، عسى الله أن يغير حاله ويندم على ما فعل ، ويعود إليك وإلى أولاده .. أنني أناشدك أن يكون الهدوء والقلب المفعم بالإيمان هو رائدك في الحياة .
الأخت الفاضلة: من ترك الاعتراض على قدر الله فيسلم لربه في جميع أمره ، رزقه الله الرضا واليقين وأراه من حُسن العاقبة ما لا يخطر له ببال .
2- الجانب الثاني : ويتعلق بالسلوك الإنساني :
هل راجعت نفسك وحاسبتها ؟ قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَاسِبُوا أَنْفُسكُمْ قَبْل أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا فَإِنَّهُ أَخَفّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَاب غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسكُمْ الْيَوْم وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأكْبَر [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ] [الحاقة : 18].
هنا لابد من السؤال .. هل أنت موظفة تخرجين من بيتك وترجعين منهكة لا تقومين بواجبك الأول كربة أسرة ، تجهزين الطعام وتنظمين بيتك ، وترعين حق أولادك ، وتتزينين لزوجك قبل مجيئه؟ أم أنك زوجة وأم وراعية بيت ؟ وهل عندئذ يكون سلوكك سلوك الزوجة والأم أداءاً كاملاً؟ أم يأتي زوجك إلى المنزل وبيتك غير منظم ومرتب ، والغذاء لم يطبخ بعد وأنت بثياب رائحتها الطعام ، وشعرك غير مصفف ، وأولادك يصيحون أين الغذاء يا أمي وتنهرين ويعلو صوتك وتستقبلين زوجك بعبوس ثم بقائمة الشكاوي من الأبناء ، ثم بطلبات قد لا يستطيع الزوج إيفاءها ؟ . كل هذا أختي الفاضلة يبعث الملل والضجر في نفس الزوج ، فقد يسهر خارج البيت ، وقد يبحث عمن يجد عنده الملجأ الآمن وما كان يبتغيه من حياة زوجية متوافقة ، ويعيش معك في عزلة نفسية ، وقد يفكر فيما لا يُحمد عقباه عليك وعلى أولادك .
الأخت الفاضلة : أرجوك راجعي نفسك ، وإذا كنت إنسانة فاضلة يتسم سلوكك بما يجب أن تكوني عليه من زوجة فاضلة فلا تيأسي من رحمة الله ، إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القانطون ، وثقي أن الله ناصرك ومؤيدك ، وضعي كل جهدك في تنشئة صالحة لأبنائك ، فلذات كبدك، وسيعوضك الله الكثير فيهم ، وسيرد لك ... زوجك هذا الغائب جسدياً وروحياً عنك في الوقت الحاضر ، وسيعود بهدى الله مهدياً وستعود مجريات الأمور كما كانت بل وأفضل .
وأقول لك أن النفس المطمئنة ، يزداد رباطها بالله كلما اقتربت من الله ، بالصلاة ، فقومي إلى الصلاة كلما تضايقت نفسك . قومي للصلاة وأدى الصلاة بقلب خاشع ، واطلبي ممن لا يُخيب الرجاء بأن يفرج عنك الهم والكدر والحزن والكسل والبخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال .
بل نوصيك دائماً بأن تزيحي عن قلبك المتاعب ، بقراءة القرآن كل يوم، وأوصيك دوماً بقراءة سورة البقرة ، ولو نصفها في الصباح والباقي في المساء ، فالقرآن شفاء لما في الصدور والبقرة وآل عمران هما الزهراوان في القرآن ، وعليك بالاستغفار فإنه سبيل رفع البلاء ومدرار الخير كله، وهو كالآتي :
"استغفر الله العظيم وأتوب إليه " مائة مرة
أو "ربي أغفر وأرحم وأنت خير الراحمين " مائة مرة .
وكما ذكرنا لك من قبل احتسبي ما تبتغين عند الله ، ولا تغضبي من زوجك أو أولادك ولا تعتبري أنك مظلومة في الحياة ، فمن ترك الغضب (الذي هو جمرة من النار) حفظ على نفسه وذاته عزتها وكرامتها ، ونأى بها عن ذل الاعتذار ومغبة الندم (إذ الغضب لا يأتي بخير أبداً ، بل هو طريق الفرقة بين الناس) بل إن ترك الغضب يدخل الحليم (غير الغضوب) في زمرة المتقين الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ..إن الدين النصيحة فهل تستجيبين لما ذكرناه لك .
ألا تحاولين في ساعات الهدوء النسبي والعلاقة الطيبة مع زوجك وساعات الصفا .. أن توضحي له أن الله تعالى يمهل ولا يُهمل ، وأن سلوك الإنسان كما تدين تدان ، وانه إذا كان له بنات ، فقد يحدث لهن ما يتبعه في وقته الحاضر مع بنات الناس .. ونذكرك وأياه بما حدث لشيخ الإسلام الشيخ مصطفى عبد الرازق وقد كان شيخ الإسلام في مصر – يرحمه الله – عندما أبتعث للدراسة في جامعة "السوربون" في فرنسا ، ودعي إلى حفل راقص في الجامعة ، رفض واستنكر ذلك ، وقال قولة مشهورة "إن لي بنتاً" بمعنى أنه إذا رقص مع بنات الغير ، فإن الجزاء سيكون بالمثل .
اختي الفاضلة : لا تُفكري في الطلاق فهو أبغض الحلال عند الله ، وأولادك سيضيعون ويتشتتون وتكوني أنت السبب ، وأنصح بكل هدوء عالجي نفسك أولاً من الخطايا ثم بعد ذلك زوجك ، وسيجعل الله لك مخرجا من الضيق الذي يدخل إلى قلبك .
نصيحة أخيرة : استعيذي بالله من الشيطان الرجيم وقولي: اللهم باعد بيني وبين الشيطان كما باعدت بين السماء والأرض.
فيبتعد بإذن الله تعالى وبرحمة منه .
3- الجانب الثالث : السلوك الاجتماعي :
والذي يمثل مع السلوك النفسي مسارات الحياة اليومية ، فقد تتحدثين إلى غيرك عن همومك ومتاعبك . والناس صنفان : صنف من الناحية الاجتماعية – يخاف الله ويُقدم النصح الذي فيه الخير لك ولا يزين لك ما تفعلين في حق زوجك وأولادك ، ويكون بلسماً لجراحك ، يداوي ويطبب ، ولا يزيد الألم النفسي وكأن المشكلة مشكلته ، ويحس بالآلام التي تعانين منها ويدفعك إلى طريق الخير مثلما يتمناه لنفسه .
وصنف آخر: يبذل كل جهده ليُصعد مشكلتك ويزين لك طريق الغواية وسوء السلوك مع زوجك وأولادك ، وكأن لسان حاله يقول : أعقلي ولا تتركي أمورك بهذا الشكل .. وواجهي زوجك ولا تفرطي في حقوقك ومثلما يعاملك عامليه ، وقد تستمعين وتتبعين ما سمعت .. وما النتيجة إلا كمن يصب الغاز على النار فيزداد السعير ، فيشتعل صدرك حقداً وكراهية على من تعاشرين ، وقد أوصى الله بالعشرة بالمعروف .
الأخت الفاضلة : كما يقولون في المثل : "ظل رجل ولا ظل حيطة" ووجودك مع زوجك خير لك من أن تكوني مع أخ أو أخت أو تعودي إلى بيت أبيك وفي هذا كله ضياع لك ولأولادك .
وبعد تذكري قول الحق تبارك وتعالى : [وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا] [النساء – آية 9].
الأخت الفاضلة : اتقى الله وباعدي بينك وبين من يوسوس في صدرك من شياطين الإنس ممن يدخل بيوتنا ونرحب ونستمع إليه وهو يبث سمومه حولنا .. أتقى الله في أولادك وزوجك وفي نفسك عسى الله أن يفتح لك أبواب رحمته ويرزقك من لدنه فرجاً ومخرجاً .

--------------------------------------

*) قصة حقيقية ، بقلم محمد زكريا ، وسناء الأيوب من الأردن، التحيلي النفسي د. عبدالمجيد منصور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق