الأحد، 15 مارس 2009

حارس البقالة

حارس البقالة *
في حياتنا تمر بنا أحداث كثيرة بعضها غامض ومثير ومنها السهل واليسير، ولكن هنالك أحداث تظل عالقة بالذاكرة مغروسة في الحنايا كنبتة تنمو مع الأيام وتكبر ، ويزيدها مر السنين رونقاً وألقاً ، وهنالك أيضاً بعض الطرائف التي تهز دواخلك فيصعب على العقل نسيانها فتظل قابعة في نفسك ، وعندما تأسرنا الحياة وتقحمنا بمشاكلها وأحزانها نمد أيدينا لنقطف ما كان في دواخلنا من ذكريات فنجدها كما هي راسخة لا تشوبها شائبة كأنها حدثت بالأمس القريب ، فنسترق اللحظات لتمكننا من مواصلة الحياة وصخبها الدائم .
وأن نسيت لا أنسى صباح ذلك اليوم الذي أتاني فيه أخي ليحدثني عن شقاوة بعض الفتية الذين اعتدوا على صاحب البقالة التي تقبع في الشارع الرئيسي في الحي الذي أسكنه ، كان في أواخر الليل يقفل محله وينام على سريره الذي يضعه أمام البقالة ويغط في نوم عميق حتى صباح اليوم التالي خوفاً على البقالة من اللصوص وصدف أن جاء أخي وبعض اصدقائه في وقت متأخر من تلك الليلة ، فشاهدوا صاحب البقالة نائماً في سريره ، فسولت لهم أنفسهم بأن يحملوا السرير ويضعوه في الشارع الرئيسي ، والمسكين مستغرق في نومه وسابح في بحور الأحلام والهواجس ، ولم يشعر بحركتهم ، وكان الهدوء يعم المكان حيث تقف حركة السيارات في هذا الشارع في أواخر الليل ، وتبدأ الحركة فيه مع إطلالة الفجر ، حيث تأتي الشاحنات الكبيرة التي تحمل الخضروات متوجهة إلى السوق المركزي. وجاءت أول شاحنة قادمة في ذلك الطريق، وتراءى لسائقها عن بعد مشهد شئ يتوسط الطريق الذي كان يسلكه ، فأخذ يبطئ من سرعة شاحنته حتى وقف تماما امام ذلك السرير ، وفي رأسه عدة أسئلة لا يجد لها إجابة : لماذا هذا الرجل ينام في وسط الطريق ؟! عندها أطلق منبه شاحنته المزعج ، فقام صاحب البقالة منزعجاً مهلوعاً ، ونهض من السرير ووجد الشاحنة العملاقة أمام عينيه وصوت محركها يملأ أذنيه ضجيجاً فلم يستوعب الأمر .. فولى هارباً تاركاً السرير وسط الشارع. هنا لم يسعنى إلا أن أقول لأخي : حرام عليكم هذا الذي عملتموه بهذا الرجل ، فلو صادف أن مر في ذلك الوقت أحد السائقين السكارى من النوع الذي يترنح بسيارته في الشارع يميناً وشمالاً فستكون كارثة تقضي على ذلك المسكين . فالحمد لله أن سلّم ، أرجو عدم تكرار مثل هذا المزاح الخطير مرة أخرى ، ومن حينها لم يعد صاحب البقالة ينام أمام البقالة.

-------------------

*) قصة حقيقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق