الأحد، 15 مارس 2009

ثمن الوفاء

ثمن الوفاء *

انطلقت سيارة الإسعاف بسرعة فائقة وهي تطلق صفارتها التحذيرية لتتمكن من إيصال المصابين الذين تحملهم إلى المستشفى بأسرع وقت ممكن ليتم اسعافهم من جراء حادث مروري ، وكانت أخطر الحالات في هذا الحادث هي حالة فهد في العقد الثالث من عمره حيث تكسر زجاج السيارة الأمامي في وجهه مما جعل الدماء تتدفق منه بغزارة ، ولدى وصول سيارة الإسعاف إلى المستشفى ، هرع الأطباء لمعاينة الحالات المصابة ، وعند الكشف على حالته اتضح أنه أصيب إصابات بالغة في عينيه الإثنتين ، وفي حاجة ماسة لزراعة "قرنية" لأحدى عينيه بأسرع وقت ممكن حتى يتمكن من النظر بها ، ولا يمكن إن يتم ذلك إلا بعد الحصول على قرنية يتبرع بها أحد الأشخاص.
وصلت "وفاء" زوجة فهد إلى المستشفى على جناح السرعة وبرفقتها مجموعة من أفراد الأسرة نساءاً ورجالاً لدى سماعهم نبأ إصابته ، وقام الطبيب بشرح حالة فهد ، قائلاً لهم : إن حالته الآن مستقرة ، ولكنه لا يقدر أن يبصر ، إلا إذا تبرع له أحد الأشخاص بقرنية ، وإلا سوف يفقد البصر نهائياً، سأل الأخ الأصغر الطبيب: أين يمكن الحصول على القرنية يا دكتور؟! ، هل هناك طريقة للحصول عليها من المستشفى ، أو من أي مكان ؟!. أجاب الدكتور: لو كانت متوفرة في المستشفى ما انتظرتك.
هنا تأملت وفاء لحظة وقالت في قرارة نفسها إنني لابد أن أضحي وأتبرع له بقرة عيني فهو زوجي وتاج رأسي ومصدر رزق أسرتي بعد الله . ثم هتفت قائلة : أنا سوف أتبرع بالقرنية يا دكتور ، اندهش الحضور وهم غير مصدقين لما سمعوا ، فكررت ذلك مرة أخرى ، أنا سأتبرع بها يا دكتور ، قال الدكتور لها : شاوري نفسك يا أختي ، لأن التبرع بالقرنية يعنى انك سوف لا تبصرين إلا بعين واحدة ، وسوف تكون العين التي سوف نأخذ منها القرنية لا ترى بعد ذلك وستكون مغطاة تماماً ، قالت "وفاء" : لا مشكلة يا دكتور أنا مستعدة للتبرع من الآن.
أجريت العملية لفهد ووفاء بنجاح وخرجا من المستشفى كل منهما بعين واحدة ، وفرح كل الأهل والأقرباء والأصدقاء لنجاح العملية وكانوا مفتخرين أكثر بالتضحية الكبيرة التي قامت بها وفاء تجاه فهد وتبرعها بإحدى عينيها ، وبدأت الحياة الزوجية تعود بسعادة لمنزلهم العامر ، عاد فهد لمواصلة عمله واستمر الحال على ذلك فترة من الزمن ، إلا أن فهد بعد فترة من الزمن بدأ يعد العدة للزواج من زوجة أخرى ، وأخبر زوجته وفاء بأنه سوف يتزوج في خلال الأيام القادمة ، هنا تفاجأت "وفاء" وصمتت برهة ثم قالت له : تتزوج ؟! هل قصرت معك في شيء ، قال لها فهد : لا والله لم تقصري في شيء.. ولكن شكلك صار لا يعجبني وأنت بعين واحدة (شكلك ماهو بزين) ، لم ترد وفاء وأخذتها الصدمة أي مأخذ ، وبدأت الدموع تتساقط من عينها بحرارة ، وهي تقول في نفسها ، هل هذا جزاء الإحسان ، أتبرع له بإحدى عيني ، ويتزوج علي!!.
ليست المشكلة في انه يتزوج عليها ، الشرع أحل له أربع زوجات ، ولكن المشكلة في إجابته الجاحدة القاسية التي نزلت عليها كالسهم القاتل "أنا شكلي ما هو بزين؟! .. ألم يسأل نفسه من كان السبب في ذلك ، أعطيته عيني ليرى بها ، ثم يقول إن شكلي لا يعجبه ؟! يا خسارة التضحية التي تقدمها لإنسان ، وتكتشف في النهاية انه لا يستحقها ، ولكنني قدمت له أعز ما أملك إرضاءاً لضميري ، ولم انتظر شكراً على ما فعلت ولا حمداً إلا من المولى عز وجل ، ولكن الصبر زين، وأمري لله، وهو المرتجى ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وتزوج فهد وأسكن زوجته الجديدة في بيت بالقرب من منزل زوجته وفاء.
"وفاء" تلك الإنسانة الطيبة القلب ، والتي تحظى من قريباتها وصديقاتها بكل محبة ، لم تفكر أبداً في أن تطلب الطلاق من زوجها ، ولم تغير من طبيعتها، ورضيت بحالها ، وكانت تلتقي كثيراً بقريباتها وصديقاتها ، وكن دائماً يضحكن معها ويقلن لها: ما عملته لم تسبقك إليه امرأة من قبل ، لقد حذرناك فلم تسمعي كلامنا .. عينك التي أعطيتها له ليرى بها .. رأى بها واحدة ثانية تزوجها عليك .. فكانت تجيب ، عملت بما يمليه علي ضميري لوجه الله تعالى وطلباً للأجر والمثوبة منه وحده سبحانه ، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملاً .


----------------

*) قصة حقيقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق